فحيث قال:(يرجع عليهما بجميع مهر مثلها) أراد: إذا كان قد سلم إليها جميع مهرها، ثم شهدا عليه بالطلاق.
وحيث قال:(يرجع عليهما بنصف مهر مثلها) أراد: إذا لم يسلم إليها شيئا من المهر، ثم شهدا عليه بالطلاق قبل الدخول.
والفرق بينهما: أنه إذا سلم إليها صداقها، ثم شهدا عليه بالطلاق.. فهو يقول: هي زوجتي وقد سلمت إليها ما تستحقه، ولا أستحق الرجوع عليها بشيء مما سلمته إليها؛ فلذلك استحق الرجوع على الشاهدين بجميع مهر مثلها، وإذا لم يسلم إليها صداقها؛ فالزوجة تقول: قد وقعت الفرقة بيننا قبل الدخول، فلا أستحق عليه إلا نصف المهر المسمى، فلا يغرم الزوج غير ذلك، فلا يرجع على الشاهدين إلا بقدر ذلك من مهر المثل.
والصحيح هو الطريق الأول؛ لأن الاعتبار بما أتلف الشاهدان على الزوج من البضع لا بما سلمه الزوج؛ بدليل: أنه إنما يرجع عليهما بمهر المثل أو بنصفه، ولا اعتبار بالمسمى.
[فرع ادعت نكاحه ودخوله وطلاقه فأنكر ذلك وشهد لها شهود فغرم ثم رجعوا]
وإن ادعت امرأة على رجل: أنه نكحها ودخل بها فطلقها ومهر مثلها ألفان، فأنكر الزوج النكاح والإصابة والطلاق، فشهد عليه شاهدان بالنكاح، وآخران بإقراره بالإصابة، وآخران بالطلاق، فحكم عليه الحاكم بذلك كله، ثم رجع جميع الشهود.. قال ابن الحداد: يرجع الزوج على شاهدي الطلاق؛ لأنهما حالا بشهادتهما بينه وبين بضعها وأتلفاه عليه.
فمن أصحابنا من خطأه في ذلك وقال: لا يرجع عليهما بشيء؛ لأنه منكر للنكاح والإصابة، فصار مقرا بأنه لم يملك بضعها، وإذا لم يملك بضعها.. فلم يتلف عليه شاهدا الطلاق شيئا؛ فلم يرجع عليهما بشيء.