وإن وهب رجل في مرضه المخوف لغيره جارية قيمتها مائة، لا مال له غيرها، وأقبضه إياها، ثم وطئها الواهب، ثم مات من مرضه، ومهر مثلها خمسون، ولم يجز ورثته الهبة:
فإن قلنا: تصح هبته فيما زاد على الثلث، وإجازة الورثة تنفيذ لما فعله.. لزم الواهب جميع مهرها للموهوب له، فإن طالب بالمهر.. بيع له نصفها بالمهر، وكان له ثلث ما بقي، وهو سدسها بالهبة. وإن اختار الموهوب له أن يملك نصفها بالمهر.. كان أحق به من الأجنبي، فيكون له بمهره وهبته ثلثاها.
وإن قلنا: لا تصح هبة المريض فيما زاد على ثلث تركته، وإجازة الورثة لذلك ابتداء هبة منهم.. وجب على الواهب مهر ما صحت فيه الهبة من رأس المال، فإن أبرأه الموهوب له مما وجب له من المهر.. صحت له الهبة في ثلث الجارية، وبطلت في ثلثيها. وإن طالب بما وجب له من المهر.. فحسابه أن يقول:
تصح الهبة في شيء من الجارية، وعلى الواهب مهر ما صحت فيه الهبة، وهو نصف شيء بغير وصية، فيبقى في يد ورثة الواهب جارية قيمتها مائة إلا شيئاً ونصف شيء تعدل مثلي الوصية- وهو شيئان - فإذا جبرت.. عدلت ثلاثة أشياء ونصف شيء، والشيء الكامل سهمان من سبعة، فتصح الهبة في سبعي الجارية، وتبطل في خمسة أسباعها، فيلزم الواهب سبعا المهر، وهو قدر سبع رقبتها يباع في المهر، ويبقى في يد ورثة الواهب أربعة أسباع الجارية، وهو مثلا ما صحت فيه الهبة. هذا هو المذهب.
وحكى ابن سريج في المهر وجهين آخرين:
أحدهما: أن ما لزم الواهب من المهر يكون من الثلث.
فعلى هذا: تصح الهبة في تسعي الجارية، ويلزمه تسعا مهرها، وهو مثل تسع رقبتها، ويبقى في يد ورثته ستة أتساعها.