والثاني - وهو المنصوص -: (أنه لا يحكم ببينة المقر) ؛ لأن الرهن والإجارة إنما يثبتان بعد ثبوت الملك للراهن والمؤاجر، ولم يثبت له ملك العين.
وإن ادعى من بيده العين: أنه وكيل للغائب وأقام على ذلك بينة، ثم أقام للغائب البينة بملك العين.. قدمت بينة الغائب على بينة المدعي؛ لأن للغائب يدا وبينة. وكل موضع حكمنا للمدعي بالبينة على الغائب وسلمت العين إلى المدعي، ثم حضر الغائب وادعى ملك العين وأقام بينة.. فإن العين تنزع من الأول؛ لأنه بان أن للغائب بينة ويدا، فقدمت على من له بينة بلا يد. وإن أقر بها المدعى عليه لمجهول؛ بأن قال: هي لغيري، ولم يعين المقر له.. قيل له: ليس هذا يسقط عنك الدعوى في العين، فإما أن تقر بها لمعروف ويكون خصما في العين، أو نجعلك ناكلا، وترد اليمين على المدعي ويحلف ويحكم له بالعين. فإن أقر بها لمعروف.. كان الحكم فيه ما مضى. وإن ادعاها لنفسه.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا يقبل؛ لأنه قد اعترف أنها لغيره، فيتضمن ذلك أنه لا يملكها.
والثاني: يقبل؛ لأن إقراره الأول لم يصح، فلا يمنعه ذلك من أن يدعيها لنفسه.
[مسألة ادعى ملك جارية أو ثمرة نخلته وهي في يد غير]
هـ] :
وإن ادعى رجل ملك جارية في يد غيره فأنكره المدعى عليه، وأقام المدعي بينة.. نظرت: فإن شهدت البينة: أن الجارية له أو ملكه.. حكم له بها. وإن شهدت: أنها له ولدتها أمته في ملكه.. حكم له بها؛ لأن هذا آكد من قولها: إنها له. وإن شهدت بينة: أنها بنت أمته ولدتها في ملكه، أو ادعى ثمرة في يد رجل وشهدت بينة: أنها ثمرة نخلته حملت بها في ملكه.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (حكمت بذلك) . وقال فيمن ادعى عينا وشهدت له البينة: أنها كانت في يده أمس: (إنه لا يحكم بها) .
واختلف أصحابنا فيه: فنقل أبو العباس جوابه في كل واحدة من المسألتين إلى الأخرى، وجعلهما على قولين في الشهادة بالملك المتقدم.