فإذا قلنا بقول أبي العباس.. كان الشفيع بالخيار: بين أن يأخذ جميع الشقص، أو يترك، فإن قال: آخذ بعض الشقص دون بعض.. لم يكن له ذلك؛ لأنه ليس هاهنا شفيع غيره.
وإن قلنا بقول عامة أصحابنا.. فإن اتفق الشفيع والمشتري على أن يقتسما الشقص بينهما.. جاز، وإن لم يختر الشفيع أن يأخذ.. لم يجبر على الأخذ، ولزم ذلك المشتري، فإن رضي المشتري أن يأخذ الشفيع جميع الشقص.. لم يلزم الشفيع ذلك؛ لأن الشفعة إنما وجبت له في نصف الشقص، فلا يلزمه أكثر من ذلك.
فإن قيل: المشتري والشريك شفيعان في الشقص، فإذا رضي المشتري بترك حقه.. لم يجز للآخر أن يأخذ البعض، كما لو كان المشتري أجنبيا.
فالجواب: أن الشفيعين إذا كان المشتري أجنبيا.. لم يملكا شيئا، وإنما ملكا أن يملكا بالاختيار، فإن أسقط أحدهما حقه.. صار كأنه لا شفيع إلا الثاني، وهاهنا قد حصل الملك للمشتري، فإذا ترك ذلك بعد حصول الملك له.. لم يلزم الآخر الأخذ، كما لو اختار الشفيعان الأخذ، ثم ترك أحدهما حقه.. فلا يلزم الآخر أخذه.
[مسألة: تثبت الشفعة لابن الابن مع أخيه بعد موت الأب ووجود العم]
وإن مات رجل، وخلف دارا وابنين، فمات أحد الابنين، وخلف ابنين، فباع أحد ولدي الابن نصيبه في الدار.. ثبت لأخيه الشفعة، قولا واحدا، وهل تثبت للعم مع ابن أخيه؟ فيه قولان:
أحدهما: الشفعة للأخ دون العم، وبه قال مالك؛ لأن الأخ أخص بشركة البائع لاشتراكهما في سبب الملك، بدليل: أن البينة لو قامت: أن أباهما غصب نصف الدار.. لأخذ نصيبيهما.
ولو قسمت الدار نصفين.. لكان نصيب الأخوين جزءا، ونصيب العم جزءا.
والثاني: أن الأخ والعم يشتركان بالشفعة، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وأحمد، والمزني، وهو الصحيح؛ لأنهما شريكان في الدار حال ثبوت الشفعة