وأما إذا قال الأجنبي: أنت صادق في دعواك، فصالحني لتكون هذه العين لي، فإني قادر على انتزاعها منه.. فيصح الصلح، كما يصح أن يبتاع شيئا في يد غاصب، فإن قدر الأجنبي على انتزاعها منه.. استقر الصلح، وإن لم يقدر على انتزاعها.. كان له الخيار في فسخ الصلح، كمن ابتاع عينا في يد غاصب ولم يقدر على انتزاعها.
إذا ثبت هذا: فإن كان المدعى عليه قد وكل الأجنبي في أن يصالح عنه.. فهل يصح هذا التوكيل وهذا الصلح فيما بينه وبين الله تعالى؟ اختلف أصحابنا فيه:
فقال أبو العباس: لا يجوز له الإنكار؛ لأنه كاذب، إلا أنه يجوز له بعد ذلك أن يوكل ليصالح عنه على ما ذكرناه.
وقال أبو إسحاق: لا يجوز له ذلك، بل يلزمه الإقرار به لصاحبه، ولا يجوز له الوكالة للمصالحة عنه إذا غصب العين، أو اشتراها من غاصب وهو يعلم ذلك.
فأما إذا مات أبواه، أو من يرثه، وخلف هذه العين له، فجاء رجل، فادعاها، وأنكره، ولا يعلم صدقه، وخاف من اليمين، وخاف إن أقر بها للمدعي أن يأخذها.. فيجوز له أن يوكل الأجنبي في الصلح على ما بيناه؛ لتزول عنه الشبهة.
[فرع: ترد العين المصالح عليها إذا كانت معيبة]
إذا صالح الأجنبي عن المدعى عليه بعوض بعينه، فوجد المدعي بالعوض الذي قبضه من الأجنبي عيبا.. كان له رده بالعيب، ولا يرجع ببدله عليه، ولكن ينفسخ عقد الصلح، ويرجع إلى خصومة المدعى عليه، وكذلك إذا خرج العوض مستحقا، كما لو ابتاع من رجل عينا، فوجد فيها عيبا، فردها، أو خرجت مستحقة.. فإنه لا يطالبه ببدلها.. وإن صالحه على دراهم، أو دنانير في ذمته، ثم سلم إليه دراهم، أو دنانير، فوجد بها عيبا، فردها، أو خرجت مستحقة.. فله أن يطالبه ببدلها، كما قلنا في البيع.