والثاني - وهو الأصح، ولم يذكر في " المهذب " غيره -: أنه لا يحنث؛ لأن استدامة الطيب لم تجعل في الشرع بمنزلة ابتدائه، ألا ترى أن المحرم ممنوع من ابتداء التطيب، غير ممنوع من استدامته؟ ولأنه كالطهارة؛ لأنه يقال: تطيبت من شهر، كما يقال: تطهرت من شهر، ولا يقال: تطيبت شهرا.
وإن حلف: لا يدخل دارا شهرا، وهو فيها، فاستدام الكون فيها.. قال القاضي أبو الطيب: فيه وجهان، وحكاهما الشيخان قولين:
[أحدهما] : قال في " الأم ": (يحنث؛ لأن استدامة الكون في الدار بمنزلة ابتداء الدخول في التحريم في ملك الغير، فكان كالدخول في الحنث باليمين) .
و [الثاني] : قال في " حرملة ": (لا يحنث) . وبه قال أبو حنيفة، وهو الأصح؛ لأن الدخول هو الانفصال من خارج الدار إلى داخلها، وهذا لا يوجد في استدامة الكون فيها؛ ولهذا لا يقال: دخلت الدار شهرا، وإنما يقال: دخلتها منذ شهر.
فإن قلنا بالأول: فإن أقام بعد اليمين بعد أن أمكنه الخروج.. حنث، وإن خرج عقيب اليمين.. لم يحنث، وإن عاد لنقل المتاع.. حنث؛ لأنه قد دخلها، بخلاف ما لو حلف على السكنى؛ لأن السكنى لا توجد بمجرد الدخول.
وإن قلنا بالثاني: فاستدام الكون فيها.. لم يحنث، فإن خرج، ثم دخلها.. حنث.
[فرع: حلف لا يسافر وهو مسافر]
وإن حلف: لا يسافر، وهو في السفر، فإن وقف ولم يسافر، وأخذ في العود.. لم يحنث؛ لأنه لم يسافر، وإن سار مسافرا بعد اليمين ولو خطوة.. حنث؛ لأنه سافر.