إن ادعوا: أنهم أكرهوا على ذلك، وأقاموا على ذلك بينة.
والفرق بينهم وبين أهل الذمة: أن أهل الذمة أقوى حكما، ولهذا لا تنتقض الذمة لخوف جنايتهم، والهدنة تنتقض بخوف جنايتهم، فلأن تنتقض بنفس الإعانة أولى. وإذا انتقض أمانهم.. كان حكمهم حكم أهل الحرب.
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فإن جاء أحدهم تائبا.. لم يقتص منه؛ لأنه مسلم محقون الدم) .
فمن أصحابنا من قال: أراد بذلك: الحربي، والمستأمن، وأهل الذمة إذا قلنا: تنتقض ذمتهم.. فإن الواحد من هؤلاء إذا قتل أحدا من أهل العدل، ثم رجع إليهم تائبا.. لم يقتص منه؛ لأنه قتله قبل إسلامه، فأما أهل البغي: فلا يسقط عنهم الضمان بالتوبة؛ لأنهم مسلمون.
ومنهم من قال: ما أراد الشافعيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بذلك إلا أهل البغي، وقد نص عليه في " الأم "، ويجوز أن نعلل: بأنه مسلم محقون الدم؛ لأن قتله كان بتأويل، فلم يزل خفر ذمته، وإنما سقط عنه القصاص في أحد القولين.
[مسألة: لا يصح نصب قاضٍ من أهل البغي يستحل دماء أهل العدل]
] : وإذا نصب أهل البغي قاضيا، فإن كان يستحل دماء أهل العدل وأموالهم.. لم يصح قضاؤه؛ لأنه ليس بعدل، وإن كان لا يستحل دماء أهل العدل وأموالهم.. نفذ من أحكامه ما ينفذ من أحكام قاضي أهل العدل، ورد من أحكامه ما يرد من حكم قاضَي أهل العدل، سواء كان القاضي من أهل العدل أو من أهل البغي.
وقال أبُو حَنِيفَة:(إن كان من أهل العدل.. نفذ حكمه، وإن كان من أهل البغي.. لم ينفذ حكمه) بناء على أصله: أن أهل البغي يفسقون بالبغي. وعندنا: لا يفسقون بالبغي.