إذا ثبت هذا: فإن المال لا يسقط برجوعه. هذا نقل أصحابنا العراقيين.
وقال الخراسانيون: هل يسقط المال برجوعه عن إقراره بالسرقة؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يسقط، كما لو أقر أنه غصب من غيره عينا ثم رجع.
والثاني: يسقط عنه؛ لأنه إقرار واحد، فإذا قبلنا رجوعه فيه في بعض أحكامه.. قبلنا رجوعه في الجميع.
وإن أقر أنه سرق نصابا لرجل من حرز مثله من غير دعوى، فصادقه المقر له.. وجب عليه ضمان النِّصَاب والقطع. وإن كذبه المقر له وقال: كنت وهبته أو أبحته له أو للناس.. لم يجب القطع؛ لأن القطع لا يجب إلا بمطالبة المسروق منه، ولا مطالبة مع ذلك.
[فرع: ادعاء رجل على آخر أنه سرقه]
وإن ادعى رجل على رجل أنه سرق منه نصابا من حرز مثله، وأنكر المدعى عليه، فأقام المدعي شاهدين ذكرين.. وجب عليه الضمان والقطع، ولا يجب عليه ذلك حتى يبين الشاهدان جنس المال وقدر النِّصَاب وصفة الحرز؛ لأن الناس مختلفون في ذلك، فوجب بيانه لينظر الحاكم فيه.
قال: القاضي أبُو الطيب: ويقولا: ولا نعلم أن له فيه شبهة.
قال ابن الصبَّاغ: وينبغي أن يكون هذا تأكيدا، لأن الأصل عدم الشبهة.
فإن قال: المشهود عليه: كذب الشاهدان، ولم أسرق.. لم يلتفت إلى قوله ولم يسقط القطع. وإن قال: المشهود عليه: صدق الشاهدان، كنت أخذته من حرز مثله ولكنه مال لي غصبه مني، أو كنت ابتعته منه أو وهبه لي وأذن لي بقبضه، أو أباحه لي أو للناس، فأنكر المسروق منه ذلك.. لم يسمع قول السارق في إسقاط حقه من المال فيحلف المسروق منه؛ لأن الأصل عدم ما ادعاه السارق، ويأخذ المسروق منه ماله. وأمَّا القطع.. فيسقط.