وحكى الطبري في " العدة " وجها آخر: أن التَّعزِير نوعان:
[أحدهما] : نوع واجب، كتعزير من قذف أمة أو ذمية، أو وطئ أجنبية فيما دون الفرج، فإذا عزر فيه الإمام فأدى إلى التلف.. لم يضمنه الإمام.
و [الثاني] : نوع لا يجب؛ مثل: أن يسيء أدبه في مجلس القاضي، فإذا عزره القاضي ومات.. وجب ضمانه. والأول أصح.
وقال أبُو حَنِيفَة:(إن غلب على ظن الإمام أنه لا يصلحه إلا الضرب، فضربه فمات.. لم يجب ضمانه؛ لأنه تَعزِير واجب. وإن غلب على ظنه أنه يصلحه الضرب وغيره، فضربه ومات.. وجب ضمانه) .
دليلنا: ما رُوِيَ عن عليّ: أنه قال: (ما من أحد أقيم عليه الحد فيموت، فأجد في نفسي منه شيئا إلا حد الخمر - ورُوِي - إلا ما كان من شارب الخمر؛ فإنه شيء أحدثناه بعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمن مات منه.. فديته على عاقلة الإمام) . أو قال:(في بيت المال) ، والذي أحدثوه بعد النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الزيادة على الأربعين، وهو التَّعزِير، فثبت أنه إذا مات من التَّعزِير.. وجب ضمانه. وكذلك في قصة المرأة التي أرسل إليها عمر فأسقطت جنينا ميتا، فحكم عليّ بـ (أن دية الجنين على عاقلة عمر) . ولم يخالفه أحد، فدلَّ على أنه: إجماع. ولأنه ضرب غير محدود، له عنه مندوحة، فكان مضمونا، كالضرب في النشوز.
فقولنا:(غير محدود) احتراز من الضرب في الحد؛ فإنه محدود. وقولنا:(له عنه مندوحة) احتراز من ضرب الرائض للدابة؛ فإنه لا مندوحة له عنه؛ لأنه لا يمكن