ولا يجوز للإمام تركه. وإن غلب على ظنه أنه يصلحه الجلد وغيره.. فليس ذلك بواجب] .
دليلنا: ما رُوِيَ: أن النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«أقيلوا ذَوِي الهيئات عثراتهم إلا في الحدود» .
ورُوِي: «أن الزبير ورجلا من الأنصار اختصما إلى النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شراج الحرة- و (الحرة) : هي الأرض الملبسة بالحصى، و (الشراج) : هي الساقية التي فيها الماء - فقال النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اسق يا زبير أرضكم، ثم أرسل الماء إلى جارك". فقال الأنصاري: أن كان ابن عمتك يا رسول الله؟! فغضب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: "اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى تبلغ أصول الجدر» .
فموضع الدليل: أن الأنصاري اتهم النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قضى للزبير؛ لأنه ابن عمته، وهذا يستحق به القتل فضلا عن التَّعزِير، فترك النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعزيره.
فمن أصحابنا من قال: إنما أمر النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزبير أن يسقي أرضه إلى أن يبلغ الماء إلى الجدر، وذلك زائد على ما تستحقه من الشرب، تعزيرا للأنصاري حين قال ما قال، وكان ذلك حين كانت العقوبات في الأموال.
ومنهم من قال: بل كان أمر النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للزبير في المرة الأولى أن يأخذ أقل من حقه من السقي، فلما قال الأنصاري ما قال.. أمره النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يستوفي جميع حقه، وهو: أن يبلغ الماء إلى أصول الجدر، وإذا بلغ ذلك.. كان إلى الكعب.
وكان قول الأنصاري هذا يقتضي التَّعزِير، وإنما ترك النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعزيره على ما مَضَى. ولأنه ضرب غير محدود، فلم يكن واجبا، كضرب الزوج زوجته، وكما لو غلب على ظن الإمام أنه يصلحه الضرب وغير الضرب.