يرد الماء الذي في الدلو إلى الماء الذي في البئر، ثم يغترف، ليخرج من خلاف أبي إسحاق، وابن القاص.
وإن كان الماء قلتين، أو أكثر، وفيه نجاسة ذائبة لم تغيره.. جاز الاستعمال منه، وهل يجوز استعمال جميعه؟ فيه وجهان:
[أحدهما] : من أصحابنا من قال: لا يجوز استعمال جميعه، بل يبقى منه قدر النجاسة؛ لأنه إذا لم يترك قدر النجاسة كان مستعملا للنجاسة بيقين.. فوجب ترك قدرها، كما لو حلف لا يأكل تمرة، فاختلطت بتمر كثير ولم تتميز، فأكل الجميع إلا تمرة.. فإنه لا يحنث.
و [الثاني] : من أصحابنا من قال: يجوز استعمال الجميع، وهو الصحيح؛ لأن كل ما جاز استعمال بعضه.. جاز استعمال جميعه، كما لو لم تقع فيه نجاسة؛ ولأنه إذا ترك قدر النجاسة، فإنه لا يجوز أن يكون المتروك هو عين النجاسة؛ لأن النجاسة قد اختلطت بالماء، ولم تتميز عنه، بخلاف التمرة، فإنه يجوز أن تكون هي المحلوف عليها.. فلا تلزمه الكفارة، ويجوز أن تكون المحلوف عليها قد أكلها، وهذه غيرها، فتجب عليه الكفارة، وإذا احتمل الأمرين احتمالًا واحدًا.. لم نوجب عليه الكفارة؛ لأن الأصل براءة ذمته منها. والله أعلم.
[مسألة: أحكام الماء الجاري]
وأما الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة: ففيه ثلاث مسائل:
الأولى: إذا كانت النجاسة تجري مع الماء بجرية لا تنفك عنه، فإن الماء الذي قبل النجاسة طاهر؛ لأنه لم يصل إلى النجاسة، والماء الذي بعد النجاسة طاهر أيضًا؛ لأن النجاسة لم تصل إليه.