كان انحتام القصاص في ما دون النفس من حدود المحاربة. لذكره كما ذكر غيره.
هذا نقل أصحابنا العراقيين، وقال الخراسانيون: إن كانت الجناية في المحاربة فيما دون النفس مما يوجب حدا في غير المحاربة، كقطع اليد والرجل.. انحتم القصاص بها في المحاربة بلا خلاف على المذهب؛ لأنها تجب حدا في غير المحاربة، فانحتم القود فيها في المحاربة، كالنفس. وإن كانت الجناية فيما دون النفس لا توجب حدا في غير المحاربة، كالموضحة وقطع الأذن وما أشبههما.. فهل يتحتم القصاص بها في المحاربة؟ فيه وجهان؛ لأن ذلك لا يوجب حدا في الشَّرع.
[فرع: أخذ المحارب المال مع القتل وما يترتب عليه من الحد]
وإذا أخذ المحارب المال وقتل.. فقد ذكرنا: أنه يقتل ويصلب.
وخرج أبُو الطيب ابن سلمة قولا آخر: أنه تقطع يده ورجله، ثم يقتل، ثم يصلب. وحكى ابن القاص في " التلخيص " عن الشافعيُّ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه قال: (يصلب قبل القتل ثلاثا، ثم ينزل ويقتل) . ومن أصحابنا من قال لا يقتل، بل يصلب حيا حتى يموت جوعا وعطشا؛ لأن الصلب يراد للزجر، ولا ينزجر بصلبه بعد موته. وقال أبُو يوسف: يصلب حيا ثلاثا، فإن مات، وإلا.. قتل وهو مصلوب.
والمذهب الأول، وما حكاه ابن القاص لا يعرف للشافعي؛ لأن كل معصية توجب عقوبة في غير المحاربة.. غلظت تلك العقوبة في المحاربة تغليظا واحدا، كما قلنا فيه إذا أخذ المال ولم يقتل.. فإنه تقطع يده ورجله، فكذلك إذا أخذ المال وقتل.. فإنه يغلظ بالقتل والصلب. وقول أبي الطيب: إنه يقطع ثم يقتل.. لا يصح؛ لأن القتل يحصل به من النَكَال أكثر من القطع.
وقول من قال: يصلب حيا حتى يموت.. باطل أيضا؛ لـ:«أن النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن تعذيب الحيوان» . وهذا حيوان، وقال: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قتلتم.. فأحسنوا القتلة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته» . وقوله: إن الصلب يراد لزجره.. غير صحيح؛