والثاني: تجب على الأول والثاني والثالث أثلاثاً؛ لأن وقوعه حصل بالجذبات.
فإن قيل: فقد روى سماك بن حرب، «عن حنش بن المعتمر الصنعاني: أن قوماً باليمن حفروا زبية ليصطادوا بها الأسد، فوقع فيها الأسد، فاجتمع الناس على رأسها يبصرونه، فتردى رجل فيها فتعلق بثان، وتعلق الثاني بثالث، وتعلق الثالث برابع، فوقعوا فيها، فقتلهم الأسد، فرفع ذلك إلى علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأرضاه، فقضى للأول بربع الدية؛ لأن فوقه ثلاثة، وقضى للثاني بثلث الدية؛ لأن فوقه اثنين، وللثالث بنصف الدية؛ لأن فوقه واحداً، وللرابع بكمال الدية. فرفع ذلك إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: هو كما قضى»
قال أصحابنا: هذا حديث لا يثبته أهل النقل؛ لأن حنش بن المعتمر ضعيف، والفقه ما قدمناه
[فرع حفر بئراً من غير حق]
وإن حفر رجل بئراً في موضع ليس له الحفر فيه، فتردى فيها رجل وجذب آخر فوقه، وماتا.. ففيه وجهان، حكاهما الطبري في " العدة ":
أحدهما: يجب للأول على الحافر نصف الدية، ويهدر النصف؛ لأنه مات بسببين: حفر البئر وجذبه للثاني على نفسه، فانقسمت الدية عليهما، وسقط ما قابل فعله.
والثاني: حكاه القاضي أبو الطيب عن أبي عبد الله الجويني -: أنه لا يجب له شيء على الحافر؛ لأن جذبه للثاني على نفسه مباشرة، والحفر سبب، وحكم السبب يسقط بالمباشرة.
قال الطبري: والأول أصح؛ لأن الجذب سبب أيضاً؛ لأنه لم يقصد به إلقاءه على نفسه، وإنما قصد به التحرز من الوقوع، فلم يكن أحدهما بأولى من الآخر.