قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولا يجوز بيع الدقيق بالحنطة) . وهذا كما قال. واختلف أهل العلم في بيع الحنطة بدقيقها:
فذهب الشافعي إلى:(أنه لا يجوز بيع الحنطة بدقيقها، لا متماثلاً، ولا متفاضلاً، لا كيلاً، ولا وزنًا) . وبه قال حمَّاد بن أبي سليمان، والثوري، وأبو حنيفة.
وذهب مالك، وابن شبرمة إلى:(أنه يجوز بيع الحنطة بدقيقها متماثلاً، كيلا بكيل) .
وذهب الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق إلى:(أن ذلك يجوز وزنًا بوزن) .
وحكي عن أبي ثور: أنه قال: (يجوز بيع الحنطة بدقيقها متفاضلاً) .
وحكي عن الكرابيسيّ: أنه قال: قال أبو عبد الله: (يجوز بيع الحنطة بدقيقها كيلا بكيل) . فجعل أبو الطيب بن سلمة هذا قولا آخر للشافعي. وقال سائر أصحابنا: ليس ذلك بقول للشافعي. ولعل الكرابيسي أراد بذلك مالكًا أو أحمد.
ودليلنا: أنه جنس فيه الربا، فلم يجز أن يباع منه ما زال عن هيئة الادخار، بصنعة آدمي بأصله الذي هو على هيئة الادخار، كبيع التمر بنخله.
فقولنا:(بصنعة آدمي) احترازٌ من بيع التمر المسوِّس، بغير المُسوِّس، فإن ذلك يجوز، ولأن الدقيق هو الحنطة، وإنما تفرّقت أجزاؤها بالطحن، فإذا بيع بالحنطة كيلا.. أدى إلى التفاضل في حال الادخار؛ لأن الدقيق يتجافى في المكيال،