ما شهدوا به مما يسقط بالشبهة؛ كالحدود والقصاص.. لم يجز استيفاؤه؛ لأن هذه الحقوق تسقط بالشبهة، ورجوع الشهود أقوى شبهة فلم يجز استيفاؤها.
وحكى المسعودي [في ((الإبانة)) ] وجها آخر في القصاص: أنه يستوفى؛ لأنه حق للآدمي. والمشهور هو الأول.
وإن كان المشهود به حقا لآدمي لا يسقط بالشبهة؛ كالمال والنكاح وما أشبهه.. فالمنصوص:(أنه يجوز للمشهود له استيفاؤه) .
ومن أصحابنا من قال: لا يجوز له استيفاؤه؛ لأن الحكم غير مستقر قبل استيفاء المشهود به، فرجوع الشهود في هذه الحالة كرجوعهم قبل الحكم.
وليس بشيء؛ لأن الحكم قد نفذ والشبهة لا تؤثر فيه، فجاز استيفاؤه.
وإن رجعوا بعد الحكم وبعد استيفاء المشهود به.. لم ينقض الحكم، ولم يجب على المشهود له رد ما أخذه.
وهو قول كافة العلماء، إلا ابن المسيب والأوزاعي؛ فإنهما قالا: ينقض الحكم ويجب على المشهود له أن يرد ما أخذه. وهكذا قالا: إذا رجع الشهود بعد الحكم وقبل الاستيفاء.. فإنه ينقض الحكم ولا يستوفى الحق المشهود به.
دليلنا: أن الشهود يجوز أن يكونوا صادقين في الشهادة كاذبين في الرجوع، ويجوز أن يكونوا كاذبين في الشهادة صادقين في الرجوع، فليس أحدهما بأولى من الآخر، فلا يجوز نقض الحكم لأمر محتمل.
[مسألة ما يترتب على الشهود فيما لو رجعوا عن شهادتهم وبعد استيفاء الحكم]
وإذا شهد الشهود بحق ثم رجعوا بعد الحكم وبعد الاستيفاء.. فقد ذكرنا: أنه لا ينقض الحكم ولا يجب على المشهود له رد ما حكم له به ولا ضمانه، والكلام هاهنا