قال أبو المحاسن من أصحابنا: إذا نزل المسافر قرية، فأقام بها أربعة أيام، من غير نية الإقامة لم يكن له أن يقصر بعدها.
وقال أبو حنيفة:(يقصر ما لم ينو الإقامة) .
دليلنا: أن وجود الإقامة عيانًا وحقيقة، أقوى من نية الإقامة، ولو نوى هذه المدة لم يقصر كذلك إذا وجد حقيقة.
[فرع المسافر في البحر عند ركود الريح]
وإن سافروا في البحر، فركدت بهم الريح، فأقاموا على هبوبها، فهم كالمقيمين على تنجز حاجة، فلو أقاموا في موضع قدر إقامة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التي قبلها، وقلنا: يجب عليهم التمام، أو قلنا: يلزمهم الإتمام بعد أربعة أيام، في أحد الأقوال على طريقة أبي إسحاق، ثم هبت الريح، فعدوا عن موضعهم، جاز لهم القصر.
فإن ردتهم الريح إلى موضعهم الأول، ثم ركدت بهم الريح فيه كانوا كالمقيمين في هذه الحالة على تنجز حاجة، فلهم أن يقصروا أربعة أيام، قولًا واحدًا، وفيما زاد عليها الطرق؛ لأنهم قد أنشئوا السفر بهبوب الريح، وهذه إقامة غير الأولى، وإن كان الموضع واحدًا.
[فرع يقصر المكي]
] : ذكر الطبري في " العدة": لو أن مكيًّا قصد إلى عرفات، ثم يعود إلى منى، ثم إلى مكة، ثم يخرج إلى بعض الآفاق، ولم يقم في شيء من هذه المواضع أربعة أيام، فليس له أن يقصر في شيء منها، ما لم يفارق مكة بعد رجوعه إليها؛ لأن كل ذلك بلد إقامته، والمسافات متقاربة.