وحكى القاضي أبو الطيب: أن من أصحابنا من قال: لا يقبل قوله قولا واحدا؛ لما ذكرناه.
[فرع: ادعاء عبد آبق في مصر وطلبه في مكة]
إذا أبق للرجل عبد، فحصل عند الحاكم بمصر، فجعله مع الضوال، فأقام رجل عند حاكم مكة شاهدين شهدا على أن ذلك العبد بصفاته له، فكتب حاكم مكة إلى حاكم مصر: حضر إلي فلان بن فلان، وادعى أن له في يدك عبدًا، من صفته كذا وكذا، وشهد له ذلك شاهدان.. فهل يجب تسلميه بذلك إلى المدعي؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يجب تسليمه بذلك. وبه قال أبو حنيفة ومحمد؛ لأنهم لم يشهدوا على عينه، وإنما شهدوا على الصفات، والصفات تشتبه، وقد تتفق الصفات مع اختلاف الأعيان.
فعلى هذا: لو جاء طالب له آخر، وادعى أنه له، ووصفه بصفاته.. لم يجز دفعه إليه حتى يتضح له: من المالك منهما؟
القول الثاني: يجب تسليمه إليه بذلك. وبه قال أبو يوسف؛ لأن البينة أثبتته له بصفاته، كما ثبتت في الذمة بوصفه في السلم. فإذا قلنا بهذا: فإن حاكم مصر يجعل في رقبة العبد خيطا، ويضيقه بحيث لا يمكن أن يخرجه من رأسه، ويختم على ذلك الخيط، ويسلمه إلى المدعي أو وكيله، ويكون مضمونا على المدعي إن تلف، فيحمله إلى حاكم مكة، فإن قال الشاهدان: إن هذا هو العبد الذي شهدنا عليه للمدعي.. استقر ملكه عليه. وإن قالا: هو غيره.. لزمه رده إلى حاكم مصر. والأول أصح؛ لأنه يدخل على الثاني ثلاثة أشياء:
أحدها: أنه إذا أسلم العبد إلى المدعي.. لم يؤمن أن يموت المدعي أو يفلس، وقد تلف العبد في يده، ويكون لغيره، فلا يصل صاحبه إلى العبد، ولا إلى قيمته.
الثاني: أنه قد يكون للغير، فتذهب منفعته في الطريق مع المدعي.
الثالث: قد تكون أم ولد للغير، فيسلمها إلى غيره، وهذا لا سبيل إليه.