إذا استأجر عينًا وقبضها.. فله أن يؤاجرها من المؤاجر، ومن غيره.
وقال أبو حنيفة:(لا يجوز أن يؤاجرها من المؤاجر) .
دليلنا: أن كل ما جاز العقد عليه مع غير العاقد.. جاز مع العاقد، كما لو اشترى عينًا وقبضها. ولأن على قول من قال من أصحابنا: عقد الإجارة وقع على العين، وقد قبض العين، وعلى قول من قال: إنها وقعت على المنفعة، فإن المنفعة قد صارت في حكم المقبوض. ولأنه قد أمكنه استيفاؤها، فصار كما لو اشترى عينًا فقبضها، وإن كان لم يقبضها.
فإن أجرها من غير المكري.. فهل يصح؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز؛ لأن المنفعة في محلها تحل محل الأعيان، بدليل: أنها تضمن بالعقد الصحيح بالمسمى، وبالفاسد بالمثل، كبيع الأعيان، وقد ثبت أنه لو ابتاع عينًا لم يجز له أن يبيعها قبل أن يقبضها، فكذلك هذا مثله.
والثاني: يجوز، وهو قول أبي العباس؛ لأن قبض العين في الإجارة لا تأثير له في قبض المنفعة، ألا ترى أنه إذا استأجر دارًا، فقبضها، وانهدمت قبل استيفاء المنفعة.. انفسخت الإجارة، كما لو انهدمت قبل القبض؟ والأول أصح.
وإن أجرها المستأجر من المؤاجر قبل القبض، فإن قلنا: يصح أن يؤاجرها من غيره.. فمنه أولى أن يصح، وإن قلنا: لا يصح أن يؤاجرها من غير المؤاجر.. فهل يصح أن يؤاجرها من المؤاجر؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يصح؛ لما ذكرناه في الأجنبي.
والثاني: يصح؛ لأنها في قبضته. والأول أصح؛ لأن هذا يبطل بمن اشترى عينًا وباعها من بائعها قبل القبض.
إذا ثبت هذا: فيجوز أن يؤاجرها بمثل ما استأجرها به، وبأقل منه، وبأكثر منه.