الإجارة يصح أن تتقدر بالمدة وبالعمل، فلما جاز أن تتقدر بالعمل.. جاز أن تتقدر بالمدة، ولا يجوز أن تكون الأجرة هاهنا مؤجلة؛ لـ:«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الكالئ بالكالئ» . و (الكالئ بالكالئ) : هو بيع النسيئة بالنسيئة، ولأن هذه الإجارة في معنى المسلم فيه، ورأس مال السلم لا يصح أن يكون مؤجلًا. وهل يشترط هاهنا قبض الأجرة في المجلس قبل أن يتفرقا؟ ينظر فيه:
فإن عقد الإجارة بلفظ السلم.. اشترط قبض الأجرة قبل أن يتفرقا، كما قلنا في السلم.
وإن عقد بلفظ الإجارة.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا يشترط قبضه في المجلس قبل التفرق اعتبارًا باللفظ.
والثاني: يشترط قبضه قبل التفرق، وهو اختيار الشيخ أبي إسحاق اعتبارًا بالمعنى، ومثل هذين الوجهين الوجهان في قبض رأس مال السلم في المجلس إذا عقد السلم بلفظ البيع، وقد مضى ذكرهما.
[فرع: استيفاء المنفعة يوجب المسمى من الأجرة]
فإن استأجر منه ظهرًا في ذمته ليركبه إلى بلد، أو ليركبه شهرًا، فأحضر المؤاجر ظهرًا، وقبضه المستأجر، وركبه إلى تلك البلد، أو إلى مثلها، أو ركبه شهرًا.. استقر عليه المسمى؛ لأنه استوفى المعقود عليه.
وإن لم يركبه، وأمسكه في يده زمانا يمكنه استيفاء المعقود عليه.. فالذي يقتضي المذهب: أن الأجرة تستقر، ويلزمه أن يرد الظهر؛ لأن منفعة الظهر تلفت تحت يده، فهو كما لو استوفاها.
وإن عرض المؤاجر الظهر على المستأجر، فامتنع من قبضه.. فالذي يقتضي المذهب: أن المؤاجر يرفع الأمر إلى الحاكم ليقبض له الظهر منه، فإن ركبه المستأجر، وإلا.. أجره الحاكم له، كما قلنا فيمن أسلم إلى رجل في شيء فأحضر المسلم إليه المسلم فيه، فامتنع المسلم من قبضه.