وإن قذفهم بكلمة واحدة.. نظرت فإن كانوا جماعة لا يجوز أن يكونوا كلهم زنَاة، كأهل اليمن أو أهل بغداد.. لم يجب عليه الحد لأن القذف هو ما احتمل الصدق أو الكذب ونحن نقطع بكذبه هاهنا، ويعزر على الكذب، لحق الله تَعالَى، وإن كانوا جماعة يجوز أن يكونوا كلهم زناة، كالعشرة والمائة وما أشبه ذلك.. ففيه قولان:
(أحدهما) قال في القديم: (يجب لهم حد واحد) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}[النور: ٤] الآية (النور: ٤) فأوجبت ثمانين جلدة بقذف المحصنات، وذلك اسم للجمع. ولأن الحد يجب على القاذف لإزالة المعرة عن المقذوف، والمعرة تزول عن الجماعة إذا حد القاذف ثمانين جلدة، ولأن الحدود، إذا كانت من جنس واحد.. تداخلت، كما لو زنَى ثم زنَى
والثاني: قال في الجديد: (يجب لكل واحد منهم حد) . وهو الصحيح لأنها حقوق مقصودة لآدميين، فإذا ترادفت.. لم تتداخل كالقصاص.
فقولنا:(مقصودة) احتراز من الآجال في الديون، وقولنا:(لآدميين) احتراز من الحدود لله تعالى. وأمَّا الآية: فلم تتضمن قذف الواحد لجماعة من المحصنات، وإنما تضمنت قذف جماعة لجماعة، لأنه قال:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ}[النور: ٤] الآية:
[فرع: خاطب زوجة وأجنبية بأنهما زناة أو أن زوجته زنت بفلان]
وإن قال لزوجته وأجنبية: زنيتما.. فاختلف أصحابنا فيه: فمنهم من قال: فيه قولان. ومن أصحابنا الخراسانيين من قال: يجب لكل واحدة منهما هاهنا حد قولا واحداً لأن مخرجه عن قذفه لهما مختلف، لأن حد الأجنبية لا يسقط إلا بالبينة أو إقرار المقذوف، وحد الزوجة يسقط بالبينة أو باللعان.
وإن قال لزوجته: زنيت بفلان. ولم يلاعن اختلف أصحابنا فيه: فمنهم من قال: فيه قولان. ومنهم من قال: يجب لهما حد واحد قولا واحداً، لأنه رماها بزنا واحد، هذا إذا اجتمعا على المطالبة.