وإن قال: والله لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى قاض.. فلا يحنث هاهنا بترك الرفع إلى القاضي بموته ولا بعزله، ولا يحنث إلا بترك الرفع بعد إمكانه وموت الحالف؛ لأنه علق اليمين على الرفع إلى قاض منكر، وأي قاض رفع إليه.. بر في يمينه، سواء كان قاضيا وقت اليمين أو بعده.
وإن قال: والله لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى القاضي، فإن رأى منكرا، ورفعه إلى قاضي البلد حين رؤيته.. بر في يمينه، وإن مات ذلك القاضي، أو عزل بعد الرؤية وبعد التمكن من الرفع إليه.. فحكى ابن الصباغ، عن أبي إسحاق المروزي، والقاضي أبي الطيب: أنه يحنث في يمينه؛ لأن لام التعريف تقتضي اختصاص من إليه القضاء عند رؤية المنكر.
وقال الشيخان - أبو حامد وأبو إسحاق -: لا يحنث، بل إذا رفعه إلى القاضي المولى بعده.. بر في يمينه؛ لأن الألف واللام يدخلان للجنس أو للعهد، ولم يرد بهما هاهنا الجنس، فثبت أن المراد بهما العهد، وذلك يتعلق بقاضي البلد.
[مسألة: حلف لا يكلمه زمانا أو حقبا]
وإن قال: والله لا كلمت فلانا زمانا، أو دهرا، أو حقبا، أو وقتا، أو حينا، أو مدة قريبة، أو بعيدة.. بر بأدنى زمان.
وقال أبو حنيفة:(الحين شهر، والحقب ثمانون عاما، والمدة القريبة دون الشهر، والبعيدة شهر) .
وقال مالك:(الحين سنة، والحقب أربعون عاما) .
دليلنا: أن هذه أسماء للزمان، ولم ينقل عن أهل اللغة فيه تقدير، وإنما يقع على القليل والكثير منه، وما من مدة إلا وهي قريبة بالإضافة إلى ما هو أبعد منها، وبعيدة بالإضافة إلى ما هو أقرب منها.