إذا قطع رجل إصبع رجل عمداً، فقال المجني عليه: عفوت عن هذه الجناية، قودها وديتها.. نظرت:
فإن اندمل الجرح، ولم يسر إلى عضو ولا نفس.. سقط القود والدية، وبه قال أبو حنيفة، وأحمد.
وقال أبو يوسف، ومحمد: إن العفو عن الجناية عفو عما يحدث منهما.
وممن قال بصحة عفو المجروح عن دمه: مالك، وطاووس، والحسن وقتادة، والأوزاعي.
وقال المزني: لا يصح العفو عن الأرش؛ لأنه أسقطه قبل وجوبه، بدليل: أنه لا يملك المطالبة به قبل الاندمال، وهذا خطأ؛ لأنه وجب بالجراحة، فصح إسقاطه، وأما المطالبة به: فإنه يملك المطالبة به في أحد القولين، ولا يملكه في الآخر، فيكون كالدين المؤجل، يصح إسقاطه قبل محل دفعه.
وإن سرت الجناية إلى كفه، واندملت.. سقط القود والدية في الإصبع؛ لما ذكرناه.
وأما الكف: فلا قود فيه؛ لأن القود في العضو لا يجب بالسراية، ولا تصح البراءة من دية ما زاد على الإصبع.
ومن أصحابنا الخراسانيين من قال: تصح؛ لأنه سراية جرح غير مضمون.
والأول أصح؛ لأنه إبراء عما لم يجب.
وإن سرت الجناية إلى النفس.. نظرت:
فإن قال: عفوت عن هذه الجناية قودها وديتها، ولم يقل: وما يحدث منها.. فإن القصاص لا يجب في الإصبع؛ لأنه عفا عنه بعد الوجوب، ولا يجب القصاص في النفس؛ لأن القصاص إذا سقط في الإصبع.. سقط في النفس؛ لأنه لا يتبعض.