وأما ما لا يحصل العلم به للشاهد إلا بمشاهدة المشهود عليه وسماع قوله، كالشهادة على البيع وغيره من العقود.. فلا يصح أن يكون الأعمى شاهدا في شيء من ذلك. وبه قال علي بن أبي طالب، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، وسوار القاضي، وعثمان البتي.
وذهبت طائفة إلى: أنه إذا عرف العاقد وميزه عن غيره.. صح أن يكون شاهدا في هذه الأشياء - وهو قول ابن عباس، وشريح، وعطاء، والزهري، وربيعة، ومالك، والليث، والمزني - كما يجوز أن يستمتع بامرأته إذا عرف صوتها.
قال ابن الصباغ: وينبغي أن يكون إذا ألف وعرف صوت العاقدين: أنه يجوز له أن يشهد عليه بذلك، كما قال أصحابنا في شهادته بما ثبت بالاستفاضة.
والمشهور هو الأول؛ لأنها شهادة على عقد عدم فيه رؤية العاقد، فلم يصح كما لو كانت الشهادة على العقد بالاستفاضة، ويخالف وطء امرأته؛ لأن أمر الوطء يخالف الشهادة؛ ولهذا قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إذا لمس امرأة فعرف أنها امرأته بعلامة فيها.. حل له وطؤها وإن لم يسمع صوتها) وتحمل الشهادة بمثل ذلك لا يصح. وقال أصحابنا: ولو أن رجلا تزوج امرأة فزفتها إليها امرأة وقالت له: هذه زوجتك.. حل له وطؤها. ومثل هذا في الشهادة لا يجوز، فدل على: أن الوطء أوسع من الحكم في الشهادة.
[فرع تحمل الأعمى شهادة قول أو فعل أو مضبوط ثم عمي]
وغير ذلك] : وإن تحمل الشهادة على رجل بالفعل أو بالقول هو مبصر، ثم عمي وأراد أن يؤدي الشهادة، فإن كان يعرف المشهود عليه بعينه واسمه ونسبه.. جاز أن يشهد عليه عند الحاكم.
وإن كان لا يعرفه إلا بعينه، وهو خارج عن يده حال الأداء.. لم يجز أن يشهد عليه.