قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولا يجوز لأحد: أن يصلي فريضة، ولا نافلة، ولا سجود قرآن، ولا جنازة، إلا متوجها إلى البيت الحرام) .
وجملة ذلك: أن القبلة كانت في أول الإسلام إلى بيت المقدس، وقد استقبله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مدة إقامته بمكة قبل الهجرة، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب أن يوجه إلى الكعبة؛ لأنها قبلة آبائه: إبراهيم وإسماعيل، وبيت المقدس: قبلة اليهود. وكان من شدة حبه لذلك يصلي من ناحية الصفا؛ ليستقبل الكعبة وبيت المقدس. فلما تحول إلى المدينة. . . تعذر عليه استقبالهما؛ لأن من استقبل بيت المقدس بها. . استدبر الكعبة، فأقام - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بالمدينة إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، يسأل الله: أن يحول قبلته إلى الكعبة، فنزل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فأخبره: أنه يحب استقبال الكعبة، فعرج جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتبعه بصره، ويقلب طرفه نحو السماء، ينتظر نزول الوحي بذلك، فنزل عليه قَوْله تَعَالَى:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}[البقرة: ١٤٤][البقرة: ١٤٤] .
و (المسجد الحرام) هاهنا: الكعبة، قال الله تعالى:{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ}[المائدة: ٩٧][المائدة: ٩٧] يعني: مقاما لهم، ولصلاتهم.