قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (فإن كان أولاهم بها مفقوداً، أو غائبا غيبة بعيدة كانت أو قريبة.. زوجها السلطان) .
وجملة ذلك: أنه إذا كان للمرأة أب وجد، فغاب الأب، وحضر الجد ودعت المرأة إلى تزويجها لكفء.. نظرت:
فإن كان الأب مفقوداً، بأن انقطع خبره، ولا يعلم أنه حي أو ميت.. فإن الولاية لا تنتقل إلى الجد، وإنما يزوجها السلطان، لأن ولاية الأب باقية عليها، بدليل: أنه لو زوجها في مكانه.. لصح، وإنما تعذر ذلك لغيبته، فناب عنه الحاكم، كما لو غاب وعليه دين.. فإن الحاكم ينوب عنه في الدفع من ماله دون الأب.
وإن غاب الأب غيبة غير منقطعة، بأن يعلم أنه حي.. نظرت:
فإن كان على مسافة تقصر إليها الصلاة.. جاز للسلطان تزويجها، لأن في استئذانه مشقة، فصار كالمفقود. وإن كان على مسافة لا تقصر فيها الصلاة.. فاختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: يجوز للحاكم تزويجها، وهو المذهب، لأن في استئذانه إلحاق مشقة، فهو كما لو كان على مسافة القصر.
ومنهم من قال: لا يجوز له تزويجها، لأنه في حكم الحاضر، بدليل: أنه لا يجوز له القصر والفطر، فهو كما لو كان في البلد.
هذا مذهبنا، وبه قال زفر.
وحكى ابن القاص قولا آخر: أن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأولياء.. وليس بمشهور.
وقال أبو حنيفة، ومحمد، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: (إن غاب الأب غيبة منقطعة.. جاز للجد تزويجها، وإن كانت غيبته غير منقطعة.. لم يجز للجد تزويجها) .