إذا ثبت هذا: فادعي على رجل ألفا في ذمته، فأنكره عنها، ثم إن المدعى أبرأه منها.. صحت البراءة، وهل يشترط في صحة البراءة القبول؟ على وجهين يأتي ذكرهما فيما بعد إن شاء الله تعالى، وإنما صحت البراءة على الإنكار؛ لأنها ليست بمعاوضة.
وإن ادعى عليه ألفا في ذمته، فأنكره عنها، ثم صالحه على بعضها، وقبض ذلك، وأبرأه عن الحق الذي عليه.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فالصلح باطل، والإبراء لا يلزم) . فأما الصلح: فيبطل؛ لأنه صلح على إنكار، وعلى المصالح رد ما أخذه، وأما البراءة: فلا تلزمه؛ لأنه إنما أبرأه براءة قبض واستيفاء، وهو أن يسلم له ما أخذه، فإذا لم يسلم له ذلك.. لم تلزمه البراءة، هذا إذا لم يعلم المدعي بفساد الصلح، فأما إذا علم بفساد الصلح، فأبرأ.. صحت براءته) . وهذا كما نقول في رجل: اشترى عبدا شراء فاسدا، فقال البائع للمشتري: أعتق هذا العبد، ولم يعلم البائع بفساد البيع، فأعتقه.. قال الشيخ أبو حامد: لم يصح العتق؛ لأن البائع لم يأمره بإعتاقه عن نفسه، وإنما أمره أن يعتقه بظن أنه قد ملكه بالشراء، وإن علم البائع بفساد البيع، فأمر المشتري بإعتاقه، فأعقته.. صح العتق.
وإن ادعى عليه ألفا في ذمته، فأقر له بها، فصالحه عنها صلح حطيطة، وأبرأه على خمسمائة، فإن قبض منها خمسمائة، وأبرأه عن الباقي، ثم خرجت الخمسمائة التي قبضها مستحقة.. قال الشيخ أبو حامد: فإنه يرجع عليه بالخمسمائة التي أخذها، والإبراء صحيح؛ لأنه لم يبرئه ليسلم له ما قبض، بل أبرأه عن حق هو مقر له به، والإبراء صادق حقه المقر به، فنفذ ذلك، ولم يتعلق بسلامة ما قبضه، وعدم سلامته.
[فرع: صالحه على عوض بدلا عن عين ثم اختلفا]
إذا ادعى عليه عينا، فصالحه منها على عوض، ثم اختلفا، فقال المدعي: إنما صالحت منها على الإنكار، فالصلح باطل، ولي الرجوع إلى أصل الخصومة، وقال