وإن ادعى عليه ألف درهم في ذمته، فأنكره، ثم صالحه على خمسمائة منها، وقلنا: يصح صلح الحطيطة. فهل يصح هذا الصلح؟ فيه وجهان، حكاهما في " الإبانة "[ق \ ٢٧٨] :
أحدهما: لا يصح الصلح؛ لأنه صلح على الإنكار، فلم يصح، كما لو ادعى عليه عينا في يده، فأنكره
والثاني: يصح، والفرق بينهما: أن في صلح المعاوضة نحتاج إلى ثبوت العوضين برضا المتعاقدين، وليس العين المدعى بها ثابتة للمدعي حتى يأخذ عليها عوضا، وهاهنا هو إبراء، فلا يحتاج إلى رضا صاحبه. هذا مذهبنا. وإن الصلح على الإنكار لا يصح.
وقال الثوري، وأبو حنيفة وأصحابه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: (يصح الصلح على الإنكار) .
وقال ابن أبي ليلى: إن أنكره.. لم يصح الصلح، وإن سكت.. صح الصلح.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}[البقرة: ١٨٨][البقرة: ١٨٨] . والصلح على الإنكار من أكل المال بالباطل؛ لأن من ادعى على غيره دارا في يده، وأنكر ذلك المدعى عليه، ثم صالحه عنها بعوض.. فقد ابتاع ماله بماله، وهذا لا يجوز. وروي:«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لبلال بن الحارث: يا بلال، اعلم أن الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا، أو أحل حراما» وهذا المدعي لا يخلو: إما أن يكون كاذبا، أو صادقا، فإن كان كاذبا.. فهذا الصلح الذي يصالح به يحل له ما هو حرام عليه، وإن كان صادقا.. فإنه يستحق جميع ما يدعيه، فإذا أخذ بعضه بالصلح.. فالصلح يحرم عليه الباقي الذي كان حلالا له، فوجب أن لا يجوز. هكذا ذكر الشيخ أبو حامد؛ لأن البيع لا يجوز مع الإنكار، وهو أن يدعي عينا في يد غيره، فينكره، فيبيعها من غيره.. فإن البيع لا يصح، فكذلك الصلح