وإن كان رأس المال معيَّنًا.. فهل يفتقر إلى معرفة قدره وصفاته؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يجوز أن يكون جزافًا، ولا بد من ذكر صفاته؛ لأنه أحد العوضين في السلم، فلم يجز أن يكون جزافًا، ولا غير معلوم الصفة، كالعوض الآخر، وهو المسلم فيه، ولأن عقد السلم لا يقع منبرمًا، وإنما يقع مراعى، وربما انفسخ العقد، فيحتاج أن يرجع المسلم إلى رأس المال، فإذا كان جزافًا، أو غير معلوم الصفة.. لم يمكنه الرجوع إليه.
فعلى هذا: لا يجوز أن يكون رأس المال ما لا يصح السلم فيه، كاللؤلؤ والزبرجد، أو ما عملت فيه النار، كالخبز والشواء.
والقول الثاني: يصح السلم وإن كان رأس المال جزافًا، ولا يفتقر إلى ذكر صفاته؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أسلف.. فليسلف في كيل معلوم» . ولم يفرق بين أن يكون رأس المال معلومًا موصوفًا، أو جزافًا غير موصوف. ولأنها عين يتناولها العقد بالإشارة إليها، فاستغني عن معرفة قدرها وصفتها، كالبيع.
فعلى هذا: يجوز أن يكون رأس المال ما لا يصح السلم فيه.
[فرعٌ: وجد رأس المال معيبًا بعد التفرق]
إذا قبض المسلم إليه رأس المال، فوجده معيبًا بعد التفرق، فإن كان العيب من غير جنس رأس المال، مثل: أن يسلم إليه دراهم، فوجدها رصاصًا أو نحاسًا.. بطل السلم؛ لأنهما تفرّقا قبل قبض رأس المال. وإن كان العيب من جنسه، مثل: أن وجد الدراهم مضطربة السكة، أو كانت فضتها خشنة.. نظرت:
فإن كان العقد وقع على عينها.. فالمسلم إليه بالخيار: بين أن يرضى بها، وبين أن يردّها أو يفسخ العقد. ولا يمكنه أن يطالب ببدلها؛ لأن العقد وقع على عينها.
وإن كان العقد وقع على دراهم في الذمة، ثم عين تلك الدراهم عنها.. فهل له أن يطالب ببدلها بعد التفرق؟ فيه قولان، قد مضى ذكرهما في (الصرف) .