وإن لم يلزمهم قصاص، وإنما لزمهم مال.. نظرت: فإن ذكروا أنهم أخطؤوا في الشهادة.. لم يعزروا؛ لأنهم معذورون في الخطأ، وإن قالوا: تعمدنا.. عزروا؛ لأنهم أقروا بارتكاب كبيرة مع العلم بها فاستحقوا التعزير.
وهل تقبل شهادتهم بعد رجوعهم؟
أما في الذي رجعوا عنه: فلا تقبل شهادتهم فيه بحال؛ لأنهم قد رجعوا عن الشهادة فيه.
وأما في غيره: فينظر فيه: فإن قالوا: تعمدنا الشهادة بالزور عليه.. لم تقبل شهادتهم إلا بعد التوبة والإصلاح، كما قلنا في شهادة الزور. وإن قالوا: أخطأنا.. قبلت شهادتهم في غيره؛ لأنهم معذورون في الخطأ، فلا تسقط به عدالتهم.
[مسألة موت الشهود أو طرو جنون أو إغماء]
أو فسق عليهم] :
وإذا شهد الشهود بحق، ثم ماتوا قبل أن يعرف الحاكم عدالتهم، ثم قامت البينة بعدالتهم بعد موتهم، أو ماتوا بعد ثبوت عدالتهم وقبل الحكم بشهادتهم، أو جنوا قبل ثبوت عدالتهم ثم ثبتت عدالتهم بعد جنونهم، أو جنوا بعد ثبوت عدالتهم وقبل الحكم بشهادتهم.. فللحاكم أن يحكم بشهادتهم في جميع ذلك؛ لأن الموت أو الجنون ليس بفسق، فلم يورث ذلك شكا في شهادتهم، فجاز الحكم بها، كما لو كانوا أحياء عقلاء.
وكذلك: إذا أغمي عليهم أو ارتدوا أو خرسوا أو عموا.. فإنه يجوز الحكم بشهادتهم.
وقال أبو حنيفة:(إذا عموا قبل الحكم بشهادتهم.. لم يجز الحكم بشهادتهم) .
وقد مضى ذلك والدليل عليه.
وأما إذا شهد الشهود بحق، ثم فسقوا قبل الحكم بشهادتهم.. لم يجز الحكم بشهادتهم؛ لأن الفسق إذا ظهر قبل الحكم.. أوقع شكا في العدالة حال الشهادة؛ لأن العادة في الناس أنهم يستترون في المعاصي ويظهرون الطاعات، فإذا ظهر الفسق.. دل على تقدم أمثاله، فلم يجز الحكم بشهادتهم.