إذا شهد الشهود عند الحاكم، ثم رجعوا عن الشهادة.. لم يخل رجوعهم من ثلاثة أحوال:
إما أن يكون قبل الحكم بشهادتهم، أو بعد الحكم وقبل استيفاء ما شهدوا به، أو بعد الحكم وبعد استيفاء ما شهدوا به.
فإن كان قبل الحكم.. لم يجز للحاكم أن يحكم بشهادتهم.
قال الشيخ أبو حامد: وهو إجماع، إلا ما حكي عن أبي ثور أنه قال:(يحكم بشهادتهما؛ لأن الشهادة قد حصلت فلم تبطل بالرجوع، كما لو رجعوا بعد الحكم) .
وهذا خطأ؛ لأن الحاكم إنما يحكم بشهادتهم، فإن رجعوا.. لم تبق هناك شهادة يحكم بها، ولأن الحاكم إنما يجوز له أن يحكم بشهادة يغلب على ظنه صدق شهودها، فإذ رجعوا عن الشهادة.. احتمل أن يكونوا صادقين في الشهادة كاذبين في الرجوع، واحتمل أن يكونوا كاذبين في الشهادة وصادقين في الرجوع، وذلك يوقع شكا في شهادتهم فلم يجز الحكم بشهادتهم، كما لو فسقوا بعد الشهادة وقبل الحكم بها.
وإن شهدوا بحق، فقالوا للحاكم قبل الحكم: توقف في الحكم حتى نتثبت في شهادتنا، ثم عادوا وقالوا: قد أثبتنا شهادتنا.. فهل يجوز للحاكم أن يحكم بها؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجوز أن يحكم بها؛ لأنهم لم يرجعوا عن الشهادة.
والثاني: لا يجوز أن يحكم بها؛ لأن قولهم هذا يورث ريبة في شهادتهم.
فإن رجعوا بعد الحاكم بشهادتهم وقبل استيفاء ما شهدوا به، فإن كان