وإذا ضمن عن غيره دينا.. تعلق الدين بذمة الضامن، ولا يبرأ المضمون عنه بالضمان، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وعامة أهل العلم.
وقال ابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وداود، وأبو ثور:(يبرأ المضمون عنه بالضمان، ويتحول الحق إلى ذمة الضامن) . واحتجوا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي قتادة: «حق الغريم عليك، والميت منه بريء؟ "، فقال: نعم» . وبقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «فك الله رهانك، كما فككت رهان أخيك» .
ودليلنا: ما «روى جابر في الرجل الذي ضمن عنه أبو قتادة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقي أبا قتادة بعد ذلك بيوم، فقال له: " ما فعل الديناران؟ "، فقال: إنما مات بالأمس. ثم جاءه أبو قتادة من الغد، وقال: قد قضيتهما يا رسول الله، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " الآن بردت عليه جلده» فلو كان قد تحول الدين عن المضمون عنه بالضمان.. لكان قد برد جلده بالضمان، ولأن الضمان وثيقة بدين، فلم يتحول إلى الوثيقة. ويسقط عن الذمة، كالرهن والشهادة.
وأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي قتادة:«والميت منه بريء» يريد به: من الرجوع في تركته، وأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأرضاه:«فك الله رهانك، كما فككت رهان أخيك» أراد به: لامتناعه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الصلاة عليه لأجل ما عليه من الدين. فلما ضمنهما عنه.. فك رهانه بصلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأن صلاته رحمة.
إذا ثبت هذا: فيجوز للمضمون له مطالبة من شاء من الضامن والمضمون منه.. قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال مالك رحمة الله عليه:(لا يطالب الضامن، إلا إذا تعذرت مطالبة المضمون عنه) .
دليلنا: أن الحق متعلق بذمة كل واحد منهما، فكان له مطالبة كل واحد منهما كالضامنين.