أحدهما: لا يلزمه، وهو قول أبي العباس بن سريج، واختيار القاضي أبي الطيب؛ لأن في ذلك مضرة وانقطاع المعاش به، وقد قال الشافعي في المفلس:(إنه يترك له ما يتجر به؛ لئلا ينقطع ويحتاج إلى الناس) ، فإذا جاز أن يقطع من ديون الغرماء؛ ويجعل بضاعة للمفلس؛ ليعيش بها.. فلأن لا يلزم الإنسان صرف بضاعته بالحج أولى.
والثاني ـ وهو قول سائر أصحابنا، وقول أبي حنيفة ـ: أنه يلزمه الحج؛ لأنه واجد للزاد والراحلة، فوجب عليه الحج.
قال الشيخ أبو حامد: ولأنا لو قلنا هذا.. لوجب أن يقول: إن من لا يمكنه أن يتعيش إلا بألف دينار، إذا كان معه ألف دينار.. لا يجب عليه الحج؛ لأنه لا يمكنه أن يتجر بأقل من ذلك، وهذا لا يقوله أحد؛ لأنه واجد لأكثر من الزاد والراحلة.
قال المحاملي: وأما ما ذكره الشافعي في المفلس.. فإنما يترك ذلك برضا الغرماء فأما بغير رضاهم.. فلا.
قال ابن الصباغ: وهل يعتبر وجود الزاد والراحلة فاضلا عن كفايته على الدوام؟ فيه وجهان، ووجههما ما ذكرناه للوجهين في التي قبلها.
[فرع الاقتراض للحج]
] : إذا كان قادرا على أن يستقرض ما يحج به.. لم يجب عليه الحج؛ لأنه غَيْرُ مالك للزاد والراحلة، ولأنه إذا استقرض.. صار ذلك دينا في ذمته، والدين يمنع وجوب الحج عليه.
وإن قدر على أن يؤاجر نفسه.. استحب له أن يحج؛ لأنه يتوصل إلى الحج بوجه مباح، ولا يجب عليه؛ لأنه غير مالك للزاد والراحلة.
فإن أكرى نفسه، فحضر موضع الحج.. لزمه الحج وإن كان التوصل إليه غير واجب عليه؛ لأنه الآن متمكن من فعل الحج بغير مال.