فأما إذا قصد المكي إلى جدة، أو إلى موضع تقصر إليه الصلاة من مكة، ثم يعود إلى مكة، ولا يقيم بها أربعة أيام، بل يخرج منها إلى بعض الآفاق فله أن يقصر هاهنا عند خروجه من مكة إلى جدة، وفي رجوعه من جدة إلى مكة، وهل له أن يقصر بمكة؟ فيه قولان، كالقولين فيمن مر ببلد له فيها أهل ومال.
قلت: وعندي: أنه لا يقصر بمكة قولًا واحدًا؛ لأن الشافعي قال:(لو خرج من وطنه مسافرًا إلى بلد تقصر إليه الصلاة، فأحرم بالصلاة خارج البلد فرعف، فرجع إلى البلد لغسل الدم، أو لحاجة نسيها لم يكن له أن يقصر ببلده) ؛ لأنه في دار إقامته، وإن كان برجوعه لم ينو الإقامة، بل هو على نية السفر.
ويدل على ما ذكرته: أن الشافعي قال في "الأم"[١/١٦٤] والقديم: (إذا ولى الإمام رجلًا مكة، فسار من موضع تقصر منه الصلاة إليها، وهو يريد الحج، فبلغ مكة انقطع قصره، وإن كان يريد المسير إلى منى وعرفات) ؛ لأنه يحصل بذلك في وطنه، ولا يقطع قصره إذا حصل في طرق عمله؛ لأن ذلك ليس بوطن له؛ ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسير في البلد التي فيها أهل طاعته، وكان يقصر الصلاة فيها.
[فرع المسافر يؤم غيره]
إذا أمّ المسافر بمسافرين وبمقيمين جاز، ويجوز للإمام، ولمن خلفه من المسافرين أن يقصروا، ويتم المقيمون؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يؤم المسافرين والمقيمين بمكة، وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن خلفه من المسافرين يقصرون الصلاة، ويتم المقيمون خلفه.
ويستحب للإمام إذا سلم أن يقول للمقيمين: أتموا صلاتكم، فإنا قوم سفر؛ لما روي:«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا سلم قال: "أتموا يا أهل مكة، فإنا قوم سفر» .
فإن أراد أن يستخلف أحد المقيمين؛ ليتم بهم الصلاة، بنى على القولين في