وإن كان القصاص لغائب.. حبس القاتل إلى أن يقدم الغائب، كما قلنا فيه إذا كان لصغير أو مجنون.
فإن قيل: فهلا قلتم: لا يحبس القاتل للغائب؛ لأنه لا ولاية للحاكم على الغائب، كما لو كان للغائب مال مغصوب.. فليس للحاكم أن يحبس الغاصب، وينتزع منه المال المغصوب؟
فالجواب: أن القود يثبت للميت، وللحاكم على الميت ولاية، وليس كذلك الغائب إذا غصب ماله؛ لأنه لا ولاية له عليه وهو رشيد؛ فوزانه: أن يموت رجل، ويخلف مالاً، وله وارث غائب، فجاء رجل، وغصب ماله.. فللإمام حبس الغاصب إلى أن يقدم الغائب.
[فرع كان القصاص لجماعة وبعضهم غائب]
فإن كان القصاص لجماعة، وبعضهم حاضر وبعضهم غائب.. لم يجز للحاضر أن يستوفي بغير إذن الغائب، بلا خلاف.
وإن كان القصاص بين صبي وكبير، أو بين مجنون وعاقل.. لم يجز للكبير والعاقل أن يستوفي القصاص حتى يبلغ الصبي، ويفيق المجنون، ويأذن في الاستيفاء، وبه قال عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وأبو يوسف.
وقال مالك، وأبو حنيفة:(يجوز للكبير والعاقل أن يستوفيا قبل بلوغ الصغير وإفاقة المجنون) . إلا أن أصحاب أبي حنيفة اختلفوا في الذي يستوفيه:
فمنهم من قال: يستوفي حقه وحق الصبي والمجنون.
ومنهم من قال: يستوفي حقه، ويسقط حق الصغير والمجنون.
دليلنا: أنه قصاص موروث، فوجب أن لا يختص باستيفائه بعض الورثة، كما لو كان لحاضر وغائب.
وإذا ثبت هذا: فإن القاتل يحبس إلى أن يبلغ الصبي، ويفيق المجنون، كما قلنا فيه إذا كان جميع القود له.