وقال مالك:(إن كان المشهود عليه جلدا باطشا لا يمكن أن يخدع ليقر.. صح تحمل الشهادة عليه بذلك، وإن كان ضعيفا يمكن أن يخدع بالإقرار.. لم يصح تحمل الشهادة عليه) . هذا نقل أصحابنا العراقيين. وقال الخراسانيون: مذهب مالك: (أنه لا تقبل شهادة المختفي بكل حال) وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم.
والمشهور من المذهب هو الأول؛ لأن طريق تحمل الشهادة حصول العلم للشاهد، وقد حصل له العلم بما شهد به فقبلت شهادته، كما لو شهد المختفي بالقتل والغصب.. فإنه يقبل بلا خلاف.
وإذا ثبت هذا: فالمستحب للشاهدين المختفيين أن يظهرا للمقر ويخبراه بأنا قد شهدنا على إقرارك؛ حتى لا يكذبهما فيعذر لأجل ذلك.
[مسألة شهادة الأعمى]
] : كل موضع قلنا: لا يصح تحمل الشهادة إلا بمشاهدة المشهود عليه؛ كالشهادة على القتل والغصب والزنى وما أشبه ذلك.. فلا يجوز أن يكون الأعمى شاهدا في ذلك بلا خلاف؛ لأن العلم في هذه الأشياء يحصل من طريق حاسة النظر، والنظر معدوم منه. وأما الأشياء التي يحصل بها العلم للشاهد من طريق الاستفاضة؛ كالشهادة على النسب والموت والملك المطلق.. فهل يصح للأعمى أن يتحمل الشهادة في ذلك في حال العمى ويؤديها به؟ فيه وجهان:
[أحدهما] : قال أكثر أصحابنا: يصح أن يتحمل الشهادة في ذلك في حال العمى، ويشهد به؛ لأن العلم يحصل له بذلك من طريق السماع، والأعمى كالبصير في السماع.
و [الثاني] : قال الشيخ أبو حامد: لا يصح ذلك منه - وهو اختيار ابن الصباغ وقول أبي حنيفة - لأنه لا يصح له تحمل الشهادة بالسماع إلا ممن تعرف عدالته، والأعمى لا يمكنه معرفة العدل بالمشاهدة، فلم يجز أن يتحمل الشهادة عن قول من لا يعرفه.