إذا ثبت هذا: فالناس في قبول الودائع على ثلاثة أضرب:
ضرب يعلم من نفسه القدرة على حفظها، ويأمن من نفسه الخيانة فيها، ولا يخاف التلف عليها إن لم يقبلها، فهذا يستحب له قبولها؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة: ٢][المائدة:٢] . ولا يجب عليه قبولها؛ لأنه لا ضرورة به تدعو إلى ذلك.
وضرب يجب عليه قبولها، وهو أن يأتي رجل بمال ليودعه في مكان عند رجل، وليس هناك من يصلح لحفظها إلا هو، وهو يعلم أنه إن لم يقبل ذلك منه.. هلك المال، فيجب عليه القبول؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حرمة مال المؤمن كحرمة دمه» . فلو خاف على دمه، وقدر على الدفع عنه.. لوجب عليه ذلك، وكذلك ماله، فإن لم يقبلها.. أثم؛ لما ذكرناه، ولا يضمن المال إن تلف؛ لأنه لم يوجد منه تعد، فهو كما لو قدر على الدفع عن نفس غيره، ولم يدفع عنه حتى قتل.
وضرب يكره له القبول، وهو من يعلم من حال نفسه العجز عن حفظ الوديعة، أو لا يأمن من نفسه الخيانة فيها؛ لأنه يغرر بمال غيره، ويعرض نفسه للضمان، فإن قبلها.. لم يجب عليه الضمان إلا بالتعدي.
[مسألة: أهلية المودع]
] : ولا يصح الإيداع إلا من جائز التصرف في المال، فإن أودعه صبي أو سفيه مالا.. لم يجز له قبول ذلك منه؛ لأنه لا يملك حفظ المال بنفسه، فلا يملك أن يملك ذلك غيره، فإن أخذه منه.. ضمنه، ولا يبرأ إلا بتسليمه إلى الناظر في ماله؛ لأن قبضه