] : إذا استعار من رجل عبدا ليرهنه بدين عليه، فرهنه.. ففيه قولان:
أحدهما: أن حكمه حكم العارية، وليس بضمان؛ لأنه قبض ملك غيره بإذنه لينفرد بمنفعته، فكان عارية، كما لو استعاره للخدمة، ولأن الضمان: ما تعلق به الحق بذمة الضامن، وهاهنا لم يتعلق بذمة مالك العبد حق، فلم يكن ضمانا.
والقول الثاني: أن حكمه حكم الضمان، وهو اختيار الشاشي، وهو الأصح؛ لأن العارية ما أفادت المنفعة للمستعير، وهاهنا منفعة العبد للسيد، فثبت أنه ضمان، ولأن أعيان الأموال تحل محل الذمم بدلالة جواز التصرف فيها، كجوازه في الذمة، فلما جاز أن يضمن الإنسان حقا في ذمته.. جاز أن يضمنه في عين ماله.
إذا ثبت هذا: فإن قلنا: إن حكمه حكم العارية.. فهل يصح عقد الرهن عليه؟ فيه وجهان:
[أحدهما] : قال أبو العباس: لا يصح الرهن؛ لأن العارية عقد جائز، والرهن عقد لازم، فلا يجوز أن يستباح بالعقد الجائز العقد اللازم.
و [الثاني] : قال سائر أصحابنا: يصح الرهن، وهو الصحيح؛ لأنه عارية غير لازمة؛ لأن للمعير أن يطالبه بفكه أي وقت شاء، ولأن العارية قد تكون لازمة، وهو إذا أعاره حائطا ليضع عليه جذعا، فوضعه، وبنى عليه.
فإذا قلنا بهذا: فرجع مالك العبد عن العارية، فإن كان قبل الرهن، أو بعد الرهن وقبل أن يقبضه المرتهن.. صح رجوعه، ولا يصح رهنه ولا قبضه بعد ذلك؛ لأن العارية قد بطلت بالرجوع، وإن رجع بعد الرهن والإقباض..لم ينفسخ الرهن؛ لأنه قد لزم بالقبض، ولا يفتقر على هذا القول إلى تعيين قدر الدين وجنسه ومحله عند العارية؛ لأن العارية تصح لمنفعة مطلقة ومقيدة، إلا أنه إن ذكر جنس الدين، وحلوله، أو أجله.. لم يجز أن يرهنه بغير ذلك الجنس، ولا أن يرهنه، بخلاف