بهذه البينة قولا واحدا؛ لأنه لو علم أن سبب يد الثاني من جهته، فكان موجب قولها:(إن فلانا أخذها منه) أن له اليد لهذا، أو أن يد الثاني بغير حق، ويخالف إذا لم يذكر السبب؛ لأن اليد تدل على الملك والاستحقاق. قال أبو العباس: وإن ادعى رجل دارا في يد غيره، فأقر المدعى عليه أن هذه الدار كانت في يد المدعي، فإن قلنا: إن البينة إذا قامت له بذلك تقبل.. حكم له بها هاهنا بالإقرار. وإن قلنا: لا تقبل في البينة.. فهل يحكم له بها بالإقرار؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يحكم له بها، كما لو قامت البينة بذلك.
والثاني: يحكم له بها؛ لأن البينة لا تنفي أن تكون في يد غيره قبل ذلك، فقد تعارضت البينتان في الوقت المتقدم، وانفرد من بيده الدار بيد موجودة في هذه الحال، فحكم له بها، فأسقط حكم البينة. وليس كذلك إذا أقر أن الدار كانت في يد المدعي؛ لأن بإقراره أسقط يد نفسه فجعلت اليد للمدعي، والأصل بقاؤها إلى أن يعلم زوالها. قال أبو العباس: إذا قال المدعى عليه: إنها كانت للمدعي.. فإنه يحكم بها للمقر له وجها واحدا؛ لأنه إذا أقر أنها كانت في يده.. لم يتضمن الإقرار بملكها، وإذا أقر أنها كانت في ملكه.. فلأنه أثبت الملك لغيره، فأسقط حق نفسه منها، فحكم بها للمقر له، وجها واحدا.
[فرع ادعى عينا موروثة في يد رجل فأنكره آخر فأقام بينة]
إذا ادعى رجل عينا في يد آخر فأنكره، فأقام المدعي بينة أنها ملك أبيه إلى أن مات وخلفها موروثة وهو وارثه.. فاختلف أصحابنا المتأخرون فيها: فمنهم من قال: هو كما لو أقام بينة أنها كانت في يده أو في ملكه أمس. ومنهم من قال: يحكم بها، وهو الأصح عندي مذهبا وحجاجا. أما (المذهب) : فلأن المزني والربيع نقلا: (لو أقام بينة أن أباه هلك وترك هذه الدار ميراثا له ولأخيه الغائب.. أخرجتها من يد من هي في يده) . ونقل المزني والربيع:(أنها إذا شهدت أنها كانت في يده.. لا تسمع) .