وقال أكثر أصحابنا: يحنث. وهو المنصوص، واختلفوا في تعليله.
فقال أبو إسحاق: إنما يحنث؛ لأنها تسمى في البادية بيوتا، وإذا ثبت للشيء عرف اسم في موضع.. ثبت له في جميع المواضع، ألا ترى أنه لو حلف العراقي: لا يأكل الخبز، فأكل خبز الأرز.. حنث وإن كان ذلك غير متعارف في حقه، وإنما هو متعارف في حق الطبري؟
ومن أصحابنا من قال: إنما حنث؛ لأن هذه البيوت المتخذة من هذه الأشياء تسمى: بيوتا في الشرع، قال الله تعالى:{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا}[النحل: ٨٠][النحل: ٨٠] .
وقال أبو الطيب: التعليل الصحيح: أن هذه تسمى: بيوتا حقيقة، وتسميتها: خيمة ومضربا إنما هو اسم للنوع، واسم البيت حقيقة يشمل الكل، واليمين تحمل على الحقائق.
والتعليل الأول لا يصح؛ لأنه يلزمه أن يقول: إذا حلف: لا يركب دابة.. أن يحنث بركوب الحمار؛ لأنه يسمى دابة بمصر.
والتعليل الثاني لا يستقيم؛ لأن المساجد سماها الله تعالى بيوتا بقوله عز وجل:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}[النور: ٣٦][النور: ٣٦] ، ومع هذا فلا يحنث بدخولها.
[فرع: علق طلاق زوجته على دخول دار زيد بغير إذنه]
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في " الأم ": (إذا قال: إن دخلت دار زيد إلا بإذنه.. فامرأتي طالق، فإن أذن له زيد بالدخول.. ارتفعت اليمين، دخلها أو لم يدخلها، فإن دخلها.. بر في يمينه، فإن دخلها بعد ذلك بغير إذنه.. لم يحنث، فإن منعه زيد من الدخول بعد الإذن وقبل الدخول.. لم يقدح) .
قال ابن الصباغ: وفيه نظر؛ لأن رجوعه عن الإذن يبطله، ويكون داخلا بغير إذنه، ولهذا يأثم فيه، ومجرد الإذن لا يحل اليمين؛ لأن المحلوف عليه الدخول دون الإذن.