والثاني: لا ترد؛ لأنها ردت في حق أبيه للتهمة، ولا تهمة عليه في شهادته للأجنبي.
[مسألة توبة القاذف وقضية قبول شهادته]
] : إذا قذف الرجل محصنة أو محصنا، فوجب عليه الحد ولم يسقط ذلك عن نفسه ببينة ولا لعان.. فقد ذكرنا: أنه يفسق بذلك وترد به شهادته. وإذا تاب.. فإنه لا يسقط عن نفسه الحد ويزول عنه التفسيق بلا خلاف، وتقبل شهادته عندنا. وبه قال عمر من الصحابة. ومن التابعين: عطاء وطاووس والشعبي. ومن الفقهاء: ربيعة ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق. وقال شريح والنخعي والثوري وأبو حنيفة:(لا تقبل شهادته أبدا) إلا أن أبا حنيفة يقول: (لا ترد شهادة القاذف حتى يجلد ثمانين، فإن جلد ثمانين إلا جلدة.. كانت شهادته مقبولة) .
والدليل على أن شهادته ترد بنفس القذف قَوْله تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}[النور: ٤] الآية [النور: ٤] فذكر الله القذف وعلق عليه حكمين: الجلد ورد الشهادة، والظاهر أنهما متعلقان به وحده، كما لو قال قائل: من دخل الدار.. فأعطه دينارا وأكرمه، فالظاهر أنه يلزمه أن يعطيه الدينار ويكرمه بنفس الدخول، فمن علق رد الشهادة بمعنى غير القذف.. فقد خالف ظاهر الآية. ولأن الحد كفارة وتطهير؛ بدليل: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحدود كفارات لأهلها» . وروي:«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أمر برجم الغامدية فرجمت.. فسبها رجل، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا تسبها، فلقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس.. لقبلت منه» . فإذا كان الحد كفارة.. لم يكن سببا لرد الشهادة، كاستيفاء الديون منه.
والدليل على أن شهادة القاذف تقبل إذا تاب قَوْله تَعَالَى:{وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور: ٤]{إِلا الَّذِينَ تَابُوا}[النور: ٥][النور: ٤ - ٥]