ومن شهد بالرضاع.. لم تقبل شهادته حتى يشهد: أنه ارتضع من لبنها، أو سقي من لبنها، وله دون الحولين خمس رضعات متفرقات، ووصل اللبن في كل مرة إلى جوفه؛ لأن الناس يختلفون في الرضاع الذي يثبت به التحريم، فلم يكن بد من ذكر ذلك ليحكم الحاكم فيه باجتهاده. فإن قيل: كيف اعتبرتم في الشهادة وصول اللبن إلى الجوف والشاهد لا يعلم ذلك مشاهدة؟ قلنا: إنما يعتبر علم الشاهد فيما يشهد به مشاهدة فيما يمكن مشاهدته، وأما ما لا يمكن مشاهدته.. فإنما يعتبر علم الشاهد فيه من طريق الظاهر، فمتى علم الشاهد أن المرأة ذات لبن ورأى الصبي التقم ثديها وحرك شفتيه فامتصه وقتا يعلم أن اللبن يصل إلى جوفه.. فقد حصل له العلم بذلك من طريق الظاهر. فإن شهدت أمه أو أخته من الرضاع، أو أن بينهما رضاعا يحرم.. لم يحكم بهذه الشهادة؛ لجواز أن تعتقد التحريم بما لا يقع به التحريم عند الحاكم.
وإن رأى امرأة أدخلت صبيا تحت ثيابها، وسمعه يمتص شيئا.. لم يجز له أن يشهد بالرضاع؛ لجواز أن تكون قد أعدت له شيئا فيه لبن من غيرها على هيئة الثدي، فسمع الصبي يمتص ذلك.
[مسألة كيفية أداء الشهادة في الجناية]
وإن شهد الشاهدان في الجناية.. فلا تقبل شهادتهما في إثبات القصاص إلا مع زوال الشبهة في لفظهما. فإن كانت الشهادة بالقتل، فقالا: نشهد أنه ضربه بالسيف فمات، أو فوجدناه ميتا.. لم يثبت القتل بهذه الشهادة؛ لجواز أن يكون ضربه فمات بسبب آخر. فإن قالا: ضربه بالسيف فمات منه، أو ضربه بالسيف فقتله.. ثبت القتل بشهادتهما؛ لأنهما قد صرحا بإضافة القتل إليه.
فإن قالا: ضربه بالسيف فأنهر دمه ومات مكانه.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (يثبت القتل بشهادتهما؛ لأنه قوله: فأنهر دمه يبين أنه مات منه) .
وإن كانت الشهادة بالجراح، فإن قالا: ضربه بالسيف فاتضح رأسه، أو فوجدناه