والثاني - وهو قول أبي علي بن أبي هريرة -: أن له أن يتزوج بنت أحدهما، فإذا تزوج ببنت أحدهما.. حرمت عليه بنت الآخر على التأبيد؛ لأن قبل التزويج يجوز تحريم كل واحدة منهما، فإذا تزوج إحداهما.. فقد قطع أن الأخرى هي المحرمة عليه، فحرمت عليه أبدًا، كما لو اشتبه عليه إناءان في أحدهما نجاسة، فأداه اجتهاده إلى طهارة أحدهما، وتوضأ به.. فإن النجاسة تتعين في الآخر.
والثالث - وهو قول أبي إسحاق، واختيار الشيخ أبي حامد -: أنه يجوز له أن يتزوج ببنت كل واحد منهما على الانفراد؛ لأن قبل الرضاع كانتا حلالًا له، وبعده شككنا في المحرمة منهما، ولا يزال اليقين بالشك، ولا يجوز له الجمع بينهما؛ لأن الخطأ يتيقن بالجمع، كما لو رأى رجلان طائرًا، فقال أحدهما: إن كان هذا الطائر غرابًا فعبدي حر، وقال الآخر: إن لم يكن غرابًا فعبدي حر، فطار ولم يعرف.. فإنه لا يعتق على أحدهما عبده، فإذا اجتمعا في ملك أحدهما.. قال الشيخ أبو إسحاق: عتق عليه أحدهما، وقال الشيخ أبو حامد: يعتق عليه عبد الآخر؛ لأن إمساكه لعبده إقرار منه بحرية عبد الآخر.
[فرع أرضعت ولده فنفاه بلعان]
وإن أتت امرأته بولد، وأرضعت بلبنه طفلًا، فنفى الزوج الولد باللعان.. كان الرضيع ابن المرضعة دون الزوج؛ لأن الرضيع تابع للولد، فإذا لم يثبت نسب الولد.. لم يكن الرضيع ابنًا له.
وإن زنى رجل بامرأة، فأتت بولد، فأرضعت بلبنها صغيرة.. ثبت التحريم بينها وبين أولاد المرضعة، ولا يثبت التحريم بين الرضيعة وبين الزاني؛ لأنها تابعة للولد، والولد غير ثابت النسب منه، فكذلك الرضيع. والورع للزاني أن لا يتزوجها.
وقال أبو حنيفة:(لا يجوز له أن يتزوجها) . وقد مضى الدليل عليه في (النكاح) .