[فرع: المتمسكون بالصحف الأولى قبل التوراة وفرقتا السامرة والصابئين]
واختلف أصحابنا في المتمسكين بصحف آدم وإبراهيم وإدريس، وزبور داود: فمنهم من قال لا يقرون ببذل الجزية، ولا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم، واختلف هؤلاء في تعليله.
فمنهم من قال لأن كتبهم ليست بكلام الله منزل، وإنما هي بعض أحكام أنزلت بالوحي، ومثل هذا موجود في شرعنا مثل ما رُوِيَ: أن النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«أتاني جبريل وأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية» .
ومنهم من قال: كانت كلامًا لله، ولكن كانت مواعظ ولم تكن أحكامًا، فلم تكن لها حرمة الكتب المنزلة.
وقال أبُو إسحاق: يقرون ببذل الجزية وتحل مناكحتهم وذبائحهم؛ بقوله تَعالَى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ}[التوبة: ٢٩] إلى قَوْله تَعَالَى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}[التوبة: ٢٩] الآية [التوبة: ٢٩] ولم يفرق. ولأن المجوس يقرون ببذل الجزية ولهم شبهة كتاب.. فلأن يقر هؤلاء ولهم كتاب موجود أولى.
وأمَّا السامرة والصابئون: فقطع الشافعي، في موضع:(أن السامرة من اليهود، وأن الصابئين من النصارى) ، وتوقف في حكمهم في موضع آخر، وقال:(إن كانوا يوافقونهم في أصول دينهم.. فهم منهم، وإن خالفوهم في الفروع، أو خالفوهم في أصول دينهم.. فليسوا منهم) .
فقال أكثر أصحابنا: إنما توقف الشافعي، - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في حكمهم؛ لأنه لم يكن يعرف مذهبهم، ثم اتضح له مذهبهم، وأنهم يوافقونهم في أصول دينهم، وأنهم أهل كتاب.