وإذا أراد بيع اللحم بجنسه، وقلنا: اللحمان جنسٌ واحدٌ، فإن باعه بعد أن جف ويبس.. جاز؛ لأنه حالة ادخاره. فإن أراد بيع بعضه ببعض في حال رطوبته.. ففيه طريقان:
[أحدهما] : قال أبو العباس: فيه قولان، كالفواكه الرطبة التي معظم منفعتها في حال رطوبتها.
و [ثانيهما] : قال أكثر أصحابنا: لا يجوز، قولاً واحدًا، وهو المنصوص؛ لأن معظم منفعة اللحم ليس في حال رطوبته؛ لأن كل شيء يصلح له اللحم الرطب الطري، صلح له اليابس، إلا أن لذته في حال رطوبته، كالرطب، فإن لذته في حال كونه رطبا.
إذا ثبت هذا: فإن باع اللحم بعضه ببعض، وفيهما، أو في أحدهما رطوبة يسيرة.. لم يجز، والفرق بينه وبين التمر ـ حيث جاز بيع بعضه ببعض وإن كان فيهما، أو أحدهما رطوبة ـ: أن اللحم لا يباع بعضه ببعض إلا وزنا، وقليل الرطوبة يؤثر في الوزن، بخلاف التمر، فإنه لا يباع بعضه ببعض إلا كيلا، والرطوبة اليسيرة فيه لا تؤثر في الكيل، ولأن الرطوبة اليسيرة في التمر لا تفسده، والرطوبة اليسيرة في اللحم تفسده في حال الادخار، فإن يبس اللحم، ثم أصابته نداوة.. لم يجز بيع بعضه ببعض حتى يجف ثانيًا؛ لما ذكرنا: أنه يتناقص في الوزن بعد ذلك، وهل يجوز بيع اللحم بعضه ببعض قبل نزع العظم؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجوز، كما يجوز بيع التمر بالتمر، وفيهما النوى.
والثاني: لا يجوز، كما لا يجوز بيع العسل بالعسل، وفيهما الشمع.