فإن كان يطلب ما يحتاج إليه لنفسه من العلم، كالطهارة والصلاة والزكاة، وله مال ولم يجد ببلده من يعلمه ذلك.. فقد تعين عليه الخروج لتعلمه، وليس للأبوين منعه منه.
وأمَّا ما لا يحتاج إليه لنفسه، كالعلم بأحكام النكاح ولا زوجة له، وبالزكاة ولا مال له ونحو ذلك، فإن لم يكن ببلده من يعلمه ذلك.. فهذا النوع من العلم فرض على الكفاية، وله أن يخرج لتعلم هذا العلم بغير رضا الأبوين. فإن كان ببلده من يعلم هذا النوع.. فهل له أن يخرج لطلبه من غير إذن الأبوين؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز له ذلك؛ لأن هذا ليس بفرض عليه، فصار كالجهاد.
والثاني: يجوز له أن يخرج بغير إذنهما؛ لأنه طاعة ونصرة للدين، ولا خوف عليه في المسافرة لأجله، بخلاف الجهاد.
[مسألة: رجوع الغريم والأبوين عن الإذن في الجهاد]
وماذا لو أحاط بهم العدو أو مرض؟] : وإن أذن له الغريم في الجهاد ثم رجع الغريم، أو أذن له أبواه ثم رجعا، أو كانا كافرين ثم أسلما، فإن كان ذلك قبل التقاء الزحفين.. وجب عليه أن يرجع؛ لأنه في هذه الحالة كما لو كان في وطنه.
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (إلا أن يخاف إن رجع تلفا.. فلا يرجع) .
قال:(وأحب أن يتوقى موضع الاستشهاد؛ لأنه يجاهد بغير إذن أبويه، فلا ينبغي له أن يطلب الاستشهاد) .
قال المسعودي [في " الإبانة "] : وكذلك إن خاف أن تنكسر قلوب المسلمين لرجوعه.. فليس له أن يرجع بحال.
وإن كان ذلك بعد التقاء الزحفين.. ففيه قولان:
أحدهما: ليس له أن يرجع؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ}[الأنفال: ١٦]