والثاني - وهو قول البغداديين من أصحابنا، وهو المشهور -: إنه يحنث؛ لأنه أقام في الدار بعد اليمين مع تمكنه من الخروج، فحنث، كما لو أقام لا لنقل القماش.
فإن خرج من الدار عقيب اليمين، وترك رحله فيها.. لم يحنث.
وقال أبو حنيفة:(يحنث، إلا أن ينقل أهله وماله) . وبه قال أحمد.
وحكي عن مالك: أنه اعتبر نقل عياله دون ماله.
دليلنا: أنه حلف على أن لا يسكن، فإذا تحول بنفسه منها عقيب يمينه، فلم يسكن.. فوجب أن لا يحنث، كما لو حلف أن لا يسكن بلدا، فخرج منها، وترك رحله فيها.
فإن رجع إلى الدار بعد الخروج؛ لنقل القماش، أو لعيادة مريض فيها، وما أشبه ذلك.. لم يحنث؛ لأنه قد وجد منه المفارقة للدار ومزايلة السكنى، وبعوده إليها لا يسمى به ساكنا، فلم يحنث.
[مسألة: حلف بالله لا يساكن زيدا]
وإن قال: والله لا ساكنت فلانا، وهو ساكن معه في مسكن، فإن خرج أحدهما في أول حال إمكان الخروج.. لم يحنث؛ لأنه لم يساكنه، وإن أقام بعد إمكان الخروج.. حنث؛ لأن المساكنة تقع على الاستدامة كما تقع على الابتداء.
قال الشافعي:(والمساكنة: أن يكونا في بيت، أو في بيتين حجرتهما واحدة ومدخلهما واحد) .
فإن كانا في مدخلين، أو في حجرتين في درب نافذ، أو غير نافذ، متفرقتين أو متلاصقتين.. فليسا بمتساكنين، وإنما هما متجاوران.