وقال أبُو حَنِيفَة:(إذا وهبها منه وأقبضه إياها.. سقط عنه القطع، سواء كان قبل الترافع إلى الحاكم أو بعد الترافع) .
وقال: قوم من أصحاب الحديث: إن وهبها منه قبل الترافع.. سقط القطع، وإن وهبها منه بعد الترافع.. لم يسقط القطع. وحكي ذلك عن أبي يوسف وابن أبي ليلى.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة: ٣٨][المائدة: ٣٨] . وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «القطع في ربع دينار» . ولم يفرق بين أن يهبها منه أو لا يهبها. «ورُوِي: أن صفوان بن أمية نام في مسجد المدينة متوسدا رداءه، فسرقه رجل من تحته، فانتبه صفوان وصاح، وأخذ السارق وأتى به النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمر النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقطعه، فقال: صفوان: يا رسول الله، ما أردت هذا، هو عليه صدقة، فقال النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فهلا قبل أن تأتيني به" وقطعه» . فلو كانت الهبة تسقط القطع.. لنبه النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على إتمامها. وأمَّا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فهلا قبل أن تأتيني به» ففيه تأويلان:
أحدهما: أنه أراد: فهلا سترت عليه ولم تأتني به.
والثاني: أنه أراد: فهلا وهبت له قبل أن تأتيني به؛ فيسقط استيفاء القطع لسقوط المطالبة.
ولأنه ملك حدث بعد وجوب الحد، فلم يسقط الحد، كما لو زنَى بأمة ثم اشتراها.
إذا ثبت هذا: فذكر الشيخ أبُو إسحاق: أنه إذا وهبها بعد ما رفع إلى السلطان.. لم يسقط القطع. ولا يجوز أن يقال: إنه أراد: إذا وهبها منه قبل أن يرفع إلى السلطان.. يسقط القطع؛ لأنه لم يذكر ذلك، وليس لكلامه دليل خطاب، وإنما أراد به: أنه يسقط الاستيفاء، كما قال سائر أصحابنا.
[مسألة: إقرار السارق بدعوى من المسروق منه أو بدونها]
إذا ادعى رجل على رجل أنه سرق منه نصابا منه حرز مثله، فأقر المدعى عليه بذلك.. لزمه غرم النِّصَاب، والقطع بإقراره مرة. وبه قال مالك، وأبو حَنِيفَة، وأكثر أهل العلم.