لأنه قد أقر أنه لا يملكها، فكيف يقبل قوله بعد ذلك أنه يملكها؟ وإن أقر بها من هي في يده لغائب معروف.. نظرت: فإن لم يكن مع المدعي بينة.. سقطت الخصومة بينه وبين من في يده العين؛ لأنه له حجة له، ويوقف الأمر إلى أن يقدم الغائب. فإن قال المدعي: يحلف لي من العين في يده: ما يعلم أن العين لي.. فهل يلزمه أن يحلف؟
فيه قولان، مضى ذكرهما. وإن كان مع المدعي بينة فأقامها، ولا بينة مع من بيده العين.. فإنه يحكم ببينة المدعي، وهل يحتاج إلى أن يحلف مع البينة؟ فيه وجهان:
[أحدهما] : من أصحابنا من قال: يحتاج أن يحلف مع البينة؛ لأنه قضاء على الغائب، والقضاء على الغائب لا بد فيه من اليمين.
و [الثاني] : قال أبو إسحاق: لا يجب عليه أن يحلف، وهو ظاهر النص؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال:(فإذا أقام المدعي البينة.. قضي له على الذي هي في يده) ، ولم يذكر اليمين. ولأنه قضاء على الحاضر. وإن كان مع المقر بينة أن العين للمقر له وأقامها.. فإنها تسمع، فإن لم يدع المقر أنه وكيل للغائب ولا أن العين في يده وديعة ولا إجارة.. فإن بينة المدعي تقدم على بينة الغائب؛ لأن البينة إنما يحكم بها إذا أقامها المدعي أو وكيله. فلم يحكم بها كما لو أفلس رجل وأراد الحاكم قسمة ماله بين غرمائه، أو مات رجل وأراد الحاكم قسمة ماله بين ورثته، وشهد شاهدان: أن هذه العين لفلان الغائب.. فإنه لا يحكم بهذه العين للغائب. فإن قيل: فإذا كانت هذه البينة إذا أقامها المقر لا يحكم له بها.. فلم قلتم: يسمعها الحاكم؟ فالجواب: أن سماعها يفيد أمرين:
أحدهما: أنه ينفي عن نفسه التهمة بالإقرار إذا أقامها.
والثاني: أنه إذا أقامها.. فلا يقضي للمدعي ببينته إلا مع يمينه وجها واحدا؛ لأنه قضاء على الغائب.
وإن ادعى المقر: أن العين في يده رهن أو إجارة من الغائب، وأقام البينة أن العين للغائب.. ففيه وجهان:
أحدهما: تقدم بينة الغائب على بينة المدعي؛ لأنه يدعي حقا لنفسه ومعه يد وبينة، فقدمت على بينة بلا يد.