وحملهما أبو إسحاق وسائر أصحابنا على ظاهرهما، فقالوا: يحكم بالبينة هاهنا قولا واحدا، ولا يحكم بها هناك قولا واحدا.
والفرق بينهما: أن الشهادة هاهنا بنماء الملك، والشهادة بنماء الملك لا تفتقر إلى إثبات ملكه في الحال، بل إذا ثبت حدوثها في ملكه.. اكتفى بذلك؛ لأن النماء تابع للأصل. والشهادة هناك على أصل الملك، فلم يحكم بها حتى يثبت الملك في الحال. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (ولو شهد أن هذا الغزل من قطن فلان.. جعلته له. وإن شهد أن هذه الجارية بنت أمته، وأن هذه ثمرة نخلته.. لم يحكم له بها) . والفرق بينهما: أن البينة إذا شهدت أن هذا يغزل من قطنه.. فالغزل هو نفس القطن، وإنما تغيرت صفته، فكأنما شهدت أن هذا غزله. وليس كذلك إذا شهدت أنها بنت أمته أو أنها ثمرة نخلته؛ لأن الأمة قد تلدها وهي في غير ملكه، والنخلة قد تثمر وهي في غير ملكه، ثم يملك الأمة والنخلة، ولا يملك الولد والثمرة؛ لأنه لا يمكن أن يكون الغزل حاصلا قبل حصول القطن له، فإذا أثبتت البينة له ملك القطن.. تضمن ذلك إثبات ما حدث منه، وهو الغزل، فحكم له بملكه. وليس كذلك إذا شهدت أن هذه الجارية بنت أمته، أو أن هذه الثمرة من نخلته؛ لأنهما قد يحدثان قبل حدوث ملك الجارية والنخلة، فليس فيه إثبات ملك الجارية له. ولأنه قد يوصي لرجل بما تلد الجارية وتثمر النخلة، فيحدث الولد والثمرة في ملك الموصى له مع كون الجارية والنخلة ملكا لغيره. قال الشيخ أبو إسحاق: وهكذا إذا ادعى طيرا أو آجرا، فأقام بينة أن الطير من بيضه وأن الآجر من طينه.. فإنه يحكم به له؛ لما ذكرناه في الغزل.
قال أبو العباس: وإن شهد له شاهدان أن هذا الثوب من غزله، وأن هذه الثمرة من نخلته.. حكم له بذلك. قال الشيخ أبو حامد: وهذا تفريع من أبي العباس على القول الذي اختاره إذا شهدت له البينة: أنه كان في ملكه أمس.. أنه يحكم له بذلك.