للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن فرق تفريقًا كثيرًا فهل تصح طهارته؟ فيه قولان:

[الأول] : قال في القديم: (لا تصح طهارته) . وبه قال عمر؛ لما روى خالد بن معدان، عن رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلا على قدمه لمعة قدر درهم، لم يصبها الماء، فأمره بإعادة الوضوء، والصلاة» .

ولأنها عبادة يبطلها الحدث، فأبطلها التفريق الكثير، كالصلاة. أو عبادة يرجع إلى شطرها مع العذر، فكانت الموالاة شرطًا فيها، كالصلاة، وفيها احتراز من تفرقة الزكاة.

و [الثاني] : قال في الجديد: (تصح طهارته) . وبه قال ابن عمر، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، وهو الصحيح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦] . فأمر بغسل هذه الأعضاء، والأمر يقتضي إيجاد المأمور به، سواء أوجده متواليًا أو متفرقًا.

وروى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ في السوق، فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه فدعي إلى جنازة، فأتى المسجد، فدعا بماء، فمسح على خفيه وصلى عليها» .

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وبين ذهابه من السوق إلى المسجد تفريق كثير) ؛ ولأنها عبادة لا يبطلها التفريق اليسير، فلم يبطلها التفريق الكثير، كالحج، وتفرقة الزكاة. وفيه احتراز من أفعال الصلاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>